تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (17)

{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ْ } ؟ ! !

فلو كنت متقولا لكنت أظلم الناس ، وفاتني الفلاح ، ولم تخف عليكم حالي ، ولكني جئتكم بآيات الله ، فكذبتم بها ، فتعين فيكم الظلم ، ولا بد أن أمركم سيضمحل ، ولن تنالوا الفلاح ، ما دمتم كذلك .

ودل قوله : { قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ْ } الآية ، أن الذي حملهم على هذا التعنت الذي صدر منهم هو عدم إيمانهم بلقاء الله وعدم رجائه ، وأن من آمن بلقاء الله فلا بد أن ينقاد لهذا الكتاب ويؤمن به ، لأنه حسن القصد .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (17)

1

وقل لهم : ما كان لي أن أفتري على الله الكذب ، وأن أقول : إنه أوحي إلي إلا بالحق . فليس هنالك ما هو أشد ظلما ممن يفتري على الله أو من يكذب بآيات الله :

( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته ? ) . . وأنا أنهاكم عن ثانية الجريمتين ، وهي التكذيب بآيات الله ، فلا أرتكب أولاهما ولا أكذب على الله :

( إنه لا يفلح المجرمون ) . .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (17)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فمن أظلم} يعني فمن أشد ظلما لنفسه،

{ممن افترى على الله كذبا} فزعم أن مع الله آلهة أخرى،

{أو كذب بئاياته} يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم وبدينه،

{إنه لا يفلح المجرمون} يعني إنه لا يُنجى الكافرون من عذاب الله عز وجل.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين الذين نسبوك فيما جئتهم به من عند ربّك إلى الكذب: أيُّ خلق أشدُّ تعدّيًا، وأوضع لقيله في غير موضعه، ممن اختلق على الله كذبًا، وافترى عليه باطلا (أو كذب بآياته) يعني بحججه ورسله وآيات كتابه؟ يقول له جل ثناؤه: قل لهم: ليس الذي أضفتموني إليه بأعجب من كذبكم على ربكم، وافترائكم عليه، وتكذيبكم بآياته (إنه لا يفلح المجرمون)، يقول: إنه لا ينجح الذين اجترموا الكفر في الدنيا يوم القيامة، إذا لقوا ربّهم، ولا ينالون الفلاح.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... ويحتمل أن يكون صلة ما ادعوا عليه أنه افتراه من عند نفسه؛ يقول: إنكم لم تأخذوني بكذب قط، وقد لبثت فيكم عمرا فكيف تنسبوني إلى الكذب على اللَّه، وقد عرفتم قبح الكذب على اللَّه وفحشه؟!

ويحتمل على الابتداء ثم قد ذكرنا أن قوله: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) استفهام، فجوابه ما قاله أهل التأويل: لا أحد أبين ظلما ولا أفحش ممن افترى على الله كذبًا؛ لا أن تفسيره ما قالوه، وقد ذكرنا هذا في غير موضع.

(أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ): الافتراء على اللَّه تكذيب بآياته، وتكذيب آياته افتراء على اللَّه.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً}: يحتمل أن يريد افتراء المشركين على الله في قولهم: إنه ذو شريك وذو ولد، وأن يكون تفادياً مما أضافوه إليه من الافتراء.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا} والمراد أن هذا القرآن لو لم يكن من عند الله، لما كان في الدنيا أحد أظلم على نفسه مني، حيث افتريته على الله، ولما أقمت الدلالة على أنه ليس الأمر كذلك، بل هو بوحي من الله تعالى وجب أن يقال إنه ليس في الدنيا أحد أجهل ولا أظلم على نفسه منكم، لأنه لما ظهر بالبرهان المذكور كونه من عند الله، فإذا أنكرتموه كنتم قد كذبتم بآيات الله. فوجب أن تكونوا أظلم الناس.

والحاصل أن قوله: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا} المقصود منه نفي الكذب عن نفسه وقوله: {أو كذب بآياته} المقصود منه إلحاق الوعيد الشديد بهم حيث أنكروا دلائل الله، وكذبوا بآيات الله تعالى.

{إنه لا يفلح المجرمون} فهو تأكيد لما سبق من هذين الكلامين، والله أعلم.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

...وزيادةُ قوله تعالى: {كَذِبًا} مع أن الافتراءَ لا يكون إلا كذلك للإيذان بأن ما أضافوه إليه ضِمْناً وحملوه عليه الصلاة والسلام صريحاً مع كونه افتراءً على الله تعالى كذبٌ في نفسه، فربّ افتراءٍ يكون كذبُه في الإسناد فقط كما إذا أسند ذنبُ زيدٍ إلى عمرو، وهذا للمبالغة منه عليه الصلاة والسلام في التفادي عما ذُكر من الافتراء على الله سبحانه..

والفاءُ لترتيب الكلامِ على ما سبق من بيان كونِ القرآنِ بمشيئته تعالى وأمرِه، فلا مجال لحمل الافتراءِ باتخاذ الولدِ والشريك، أي وإذا كان الأمرُ كذلك فمن افترى عليه تعالى بأن يختلقَ كلاماً فيقول: هذا من عند الله أو يبدل بعضَ آياتِه تعالى ببعض كما تجوّزون ذلك في شأني، وكذلك مَن كذب بآياته تعالى كما تفعلونه أظلمُ من كل ظالم..

{إِنَّهُ} الضمير للشأن وقع اسماً لإن والخبرُ ما يعقُبه من الجملة، ومدارُ وضعِه موضعَه ادعاءُ شهرتِه المغنيةِ عن ذكره، وفائدةُ تصديرِها به الإيذانُ بفخامة مضمونِها مع ما فيه من زيادة تقريرِه في الذهن فإن الضميرَ لا يُفهم منه من أول الأمرِ إلا شأنٌ مبْهمٌ له خطرٌ فيبقى الذهنُ مترقباً لما يعقُبه فيتمكن عند ورودِه عليه فضلُ تمكنٍ، فكأنه قيل: إن الشأنَ هذا أي {لاَ يُفْلِحُ المجرمون} أي لا ينجُون من محذور ولا يظفَرون بمطلوب، والمرادُ جنسُ المجرمين فيندرج فيه المفتري والمكذب اندراجاً أولياً.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} هذه تتمة الرد على اقتراح المشركين، فإنه رد عليهم أولا ببيان حقيقة الأمر الواقع، وهو أن تبديل القرآن ليس من شأن الرسول في نفسه، ولا مما أذن الله له به، بل يعاقبه عليه أشد العقاب في الآخرة إن فرض وقوعه منه لأنه كلامه الخاص به وثانيا بإقامة الحجة العقلية على أنه كلام الله، وأنه ليس في استطاعته صلى الله عليه وسلم الإتيان بمثله، ثم عزز هاتين الحجتين بثالثة أدبية وهي أن شر أنواع الظلم والإجرام في البشر شيئان: أحدهما افتراء الكذب على الله، وهو ما اقترحوه عليه بجحودهم، وثانيهما التكذيب بآيات الله، وهو ما اجترحوه بإجرامهم، وقد بين بصيغة الاستفهام الإنكاري، أي لا أحد يظلم عند الله وأجدر بغضبه وعقابه من هذين الفريقين من الظالمين، وأنا أنعى عليكم الثاني منهما، فكيف أرضى لنفسي بالأول وهو شر منه؟ وأي فائدة لي من هذا الإجرام العظيم وأنا أريد الإصلاح وأدعو إليه وأحتمل المشاق في سبيله، وأعلم {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} أي لا يفوزون بمطلوبهم الذي يتوسلون إليه بالكذب والزور.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

...فلما أقام الحجة عليهم بأن ذلك من عند الله وأنه ما يكون له أن يأتي به من تلقاء نفسه فُرع عليه أن المفتري على الله كذباً والمكذبين بآياته كلاهما أظلم الناس لا أحد أظلم منهما، وذلك من مجاراة الخصم ليعثر، يخيل إليه من الكلام أنه إنصاف بينهما فإذا حصحص المعنى وُجد انصبابه على الخصم وحده. والتفريع صالح للمعنيين، وهو تفريع على ما تقدم قبله مما تضمن أنهم أشركوا بالله وكذبوا بالقرآن. ومحل (أو) على الوجهين هو التقسيم، وهو إما تقسم أحوال، وإما تقسم أنواع.

وجملة: {إنه لا يفلح المجرمون} تذييل، وموقعه يقتضي شمول عمومه للمذكورين في الكلام المذيَّل (بفتح التحتية) فيقتضي أن أولئك مجرمون، وأنهم لا يفلحون. وتأكيد الجملة بحرف التأكيد ناظر إلى شمول عموم المجرمين للمخاطبين لأنهم ينكرون أن يكونوا من المجرمين. وافتتاح الجملة بضمير الشأن لقصد الاهتمام بمضمونها.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

وهنا يوضح القرآن على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم: أأكذب على الله؟ إذا كنت لم أكذب عليكم أنتم في أموري معكم وفي الأمور التي جربتموها، أفأكذب على الله؟! عن الذي يكذب في أول حياته من المعقول أن يكذب في الكبر، وإذا كنت لم أكذب عليكم أنتم، فهل أكذب على الله؟

وإذا لم أكن قد كذبت وأنا غير ناضج التفكير، في طفولتي قبل أن أصل إلى الرجولة، فأنا الآن لا أستطيع الكذب. فإذا كنتم أنتم تتهمونني بذلك، فأنا لا أظلم نفسي وأتهمها بالكذب، فتصبحون أنتم المكذبين؛ لأنكم كذبتموني في أن القرآن مبلغ عن الله، ولو أنني قلت: إنه من عند نفسي لكان من المنطق أن تكذبوا ذلك؛ لأنه شرف يدعى. ولكن أرفعه إلى غيري؛ إلى من هو أعلى مني ومنكم.

وقوله الحق: {فمن أظلم} أي: لا أحد أظلم ممن افترى على الله سبحانه كذبا؛ لأن الكاذب إنما يكذب ليدلس على من أمامه، فهل يكذب أحد على من يعلم الأمور على حقيقتها؟ لا أحد بقادر على ذلك. ومن يكذب على البشر المساوين له يظلمهم، لكن الأظلم منه هو من يكذب على الله سبحانه.

والافتراء كذب متعمد، فمن الجائز أن يقول الإنسان قضية يعتقدها، لكنها ليست واقعا، لكنه اعتقد أنها واقعة بإخبار من يثق به، ثم تبين بعد ذلك أنها غير واقعة، وهذا كذب صحيح، لكنه غير متعمد، أما الافتراء فهو كذب متعمد.

ولذلك حينما قسم علماء اللغة الكلام الخبري؛ قسموه إلى: خبر وإنشاء، والخبر يقال لقائله: صدقت أو كذبت، فإن كان الكلام يناسب الواقع فهو صدق، وإن كان الكلام لا يناسب الواقع فهو كذب.

وقوله الحق: {افترى على الله كذبا أو كذب بآياته} يبين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن قلتم إنني ادعيت أن الكلام من عند الله، وهو ليس من عند الله. فهذا يعني أن الكلام كذب وهو من عندي أنا، فما موقف من يكذب بآيات الله؟

إن الكذب من عندكم أنتم، فإن كنتم تكذبونني وتدعون أني أقول إن هذا من الله، وهو ليس من الله، وتتمادون وتكذبون بالآيات وتقولون هي من عندك، وهي ليست من عندي، بل من عند الله؛ فالإثم عليكم.

والكذب إما أن يأتي من ناحية القائل، وإما من ناحية المستمع، وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم عدالة التوزيع في أكثر من موقع، مثلما يأتي القول الحق مبينا أدب النبوة: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين.. (24)} [سبأ].

وليس هناك أدب في العرض أكثر من هذا، فيبين أن قضيته صلى الله عليه وسلم وقضيتهم لا تلتقيان أبدا، واحدة منهما صادقة والأخرى كاذبة، ولكن من الذي يحدد القضية الصادقة من الكاذبة؟ إنه الحق سبحانه.

وتجده سبحانه يقول على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: {أو في ضلال مبين}. وفي ذلك طلب لأن يعرضوا الأمر على عقولهم؛ ليعرفوا أي القضيتين هي الهدى، وأيهما هي الضلال.

وفي ذلك ارتقاء للمجادلة بالتي هي أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويقول الحق سبحانه: {قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون (25)} [سبأ]: أي: كل واحد سيسأل عن عمله، فجريمتك لن أسأل أنا عنها، وجريمتي لا تسأل أنت عنها. ونسب الإجرام لجهته ولم يقل: {قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تجرمون "وشاء ذلك ليرتقي في الجدل، فاختار الأسلوب الذي يهذب، لا ليهيج الخصم؛ فيعاند، وهذا من الحكمة؛ حتى لا يقول للخصم ما يسبب توتره وعناده فيستمر الجدل بلا طائل.

وهنا يقول الحق سبحانه: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا} فإذا كان الظلم من جهتي؛ فسوف يحاسبني الله عليه، وإن كان من جهتكم؛ فاعلموا قول الحق سبحانه: {إنه لا يفلح المجرمون} ولم يحدد من المجرم، وترك الحكم للسامع.

كما تقول لإنسان له معك خلاف: سأعرض عليك القضية واحكم أنت، وساعة تفوضه في الحكم؛ فلن يصل إلا إلى ما تريد، ولو لم يكن الأمر كذلك لما عرضت الأمر عليه.