محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (17)

[ 17 ] { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون 17 } .

{ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته } استفهام إنكاري معناه الجحد . أي لا أحد أظلم ممن تقول على الله تعالى ، وزعم أنه تعالى أرسله وأوحى إليه أو كفر بآياته كما فعل المشركون بتكذيبهم للقرآن وحملهم على أنه من جهته عليه الصلاة والسلام .

{ إنه لا يفلح المجرمون } أي لا ينجون من محذور ، ولا يظفرون بمطلوب ونظير هذه الآية قوله تعالى{[4717]} : { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } . وترتيب عدم الفلاح على من افترى الوحي ، وعده صادق بلا مرية ، فإن مفتريه يبوء بالخزي والنكال ، ولا يشتبه أمره على أحد بحال .

/ وقد ذكر أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب وكان صديقا له في الجاهلية ، وكان عمرو لم يسلم بعد فقال له مسيلمة : ويحك يا عمرو ! وماذا أنزل على صاحبكم يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المدة ؟ فقال : لقد سمعت أصحابه يقرؤون سورة عظيمة قصيرة . فقال : وما هي ؟ فقال{[4718]} : { والعصر * إن الإنسان . . . } الخ ففكر مسيلمة ساعة ثم قال : وأنا قد أنزل علي مثله ! فقال : وما هو ؟ فقال : يا وبر يا وبر . إنما أنت أذنان وصدر وسائرك حقر نقر ! كيف ترى يا عمرو ؟ فقال له عمرو : والله ! إنك لتعلم أني أعلم أنك لكذاب !

وقال عبد الله بن سلام{[4719]} : " لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس ، فكنت فيمن انجفل منه ، فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب . قال : فكان أول ما سمعته : يقول : يا أيها الناس ! أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلّوا بالليل  والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام " . قال حسان{[4720]} :

لو لم تكن فيه آيات مبينة *** كانت بديهته تأتيك بالخير


[4717]:[6 / الأنعام / 93].
[4718]:[103 / العصر / 1-3].
[4719]:أخرجه الترمذي في: 35-كتاب القيامة، 32 باب حدثنا محمد بن بشار. وأخرجه ابن ماجة في: 5- كتاب الإقامة، 174- باب ما جاء في قيام الليل، حديث رقم 1334 (طبعتنا).
[4720]:ليس في ديوان حسان.