كذلك دبروا . وكذلك مكروا . . ولكن الله كان بالمرصاد يراهم ولا يرونه ، ويعلم تدبيرهم ويطلع على مكرهم وهم لا يشعرون :
( ومكروا مكرا ، ومكرنا مكرا . وهم لا يشعرون ) . .
وأين مكر من مكر ? وأين تدبير من تدبير ? وأين قوة من قوة ?
وكم ذا يخطئ الجبارون وينخدعون بما يملكون من قوة ومن حيلة ، ويغفلون عن العين التي ترى ولا تغفل ، والقوة التي تملك الأمر كله وتباغتهم من حيث لا يشعرون :
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنّا دَمّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وغدر هؤلاء التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض بصالح بمصيرهم إليه ليلاً ليقتلوه وأهله ، وصالح لا يشعر بذلك وَمَكَرْنا مَكْرا يقول : فأخذناهم بعقوبتنا إياهم ، وتعجيلنا العذاب لهم وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بمكرنا .
وقد بيّنا فيما مضى معنى : مكر الله بمن مكر به ، وما وجه ذلك ، وأنه أخذه من أخذه منهم على غرّة ، أو استدراجه منهم من استدرج على كفره به ، ومعصيته إياه ، ثم إحلاله العقوبة به على غرّة وغفلة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن رجل ، عن عليّ ، قال : المكر غدر ، والغدر كفر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَمَكَرُوا مَكْرا وَمَكَرْنا مَكْرا قال : احتالوا لأمرهم ، واحتال الله لهم ، مكروا بصالح مكرا ، ومكرنا ، ومكرنا بهم مكرا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ بمكرنا وشعرنا بمكرهم ، قالوا : زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه وأهله قبل ذلك ، وكان له مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه ، فخرجوا إلى كهف وقالوا : إذا جاء يصلي قتلناه ، ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله ، ففرغنا منهم ، وقرأ قول الله تبارك وتعالى : قالُوا تَقاسَمُوا باللّهِ لَنُبَيّتَنّه وأهْلَهُ ، ثُمّ لَنَقُولَنّ لِوَلِيّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أهْلِهِ ، وإنّا لَصَادِقُونَ فبعث الله صخرة من الهَضْب حِيالَهم ، فخشُوا أن تشدَخَهم ، فبادروا الغار ، فَطَبقت الصخرة عليهم فم ذلك الغار ، فلا يدري قومُهم أين هم ؟ ولا يدرون ما فعل بقومهم ؟ فعذّب الله تبارك وتعالى هؤلاء ها هنا ، وهؤلاء هنا ، وأنجى الله صالحا ومن معه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة وَمَكَرُوا مَكْرا وَمَكَرْنا مَكْرا قال : فسلط الله عليهم صخرة فقتلتهم .
{ ومكروا مكرا } بهذه المواضعة . { ومكرنا مكرا } بأن جعلناها سببا لإهلاكهم . { وهم لا يشعرون } بذلك ، روي أنه كان لصالح في الحجر مسجد في شعب يصلي فيه فقالوا : زعم انه يغفر منا إلى ثلاث فنفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث فذهبوا إلى الشعب ليقتلوه ، فوقع عليهم صخرة حيالهم فطبقت عليهم فم الشعب فهلكوا ثمة وهلك الباقون في أماكنهم بالصيحة كما أشار إليه قوله : { فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين } .
سمَّى الله تآمرهم مكراً لأنه كان تدبير ضُرّ في خفاءٍ . وأكد مكرهم بالمفعول المطلق للدلالة على قوته في جنس المكر ، وتنوينه للتعظيم .
والمكر الذي أسند إلى اسم الجلالة مكر مجازي . استعير لفظ المكر لمبادرة الله إياهم باستئصالهم قبل أن يتمكنوا من تبييت صالح وأهله ، وتأخيره استئصالهم إلى الوقت الذي تآمروا فيه على قتل صالح لشَبَه فِعللِ الله ذلك بفعل الماكر في تأجيل فعل إلى وقت الحاجة ، مع عدم إشعار من يُفعل به .
وأُكد مكر الله وعُظّم كما أكد مكرهم وعُظّم ، وذلك بما يناسب جنسه ، فإن عذاب الله لا يدانيه عذاب الناس فعظيمه أعظم من كل ما يقدره الناس .
والمراد بالمكر المسند إلى الجلالة هو ما دلت عليه جملة : { إنا دمرناهم وقومهم أجمعين } الآية .
وفي قوله : { وهم لا يشعرون } تأكيد لاستعارة المكر لتقدير الاستئصال فليس في ذلك ترشيحٌ للاستعارة ولا تجريد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.