ولكن لما كان الله ولي عباده المؤمنين وناصرهم ، بيَّن لهم ما اشتملوا عليه من الضلال والإضلال ، ولهذا قال : { وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا } أي : يتولى أحوال عباده ويلطف بهم في جميع أمورهم ، وييسر لهم ما به سعادتهم وفلاحهم . { وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا } ينصرهم على أعدائهم ويبين لهم ما يحذرون منهم ويعينهم عليهم . فولايته تعالى فيها حصول الخير ، ونصره فيه زوال الشر .
ثم أخبر الله جلّ ثناؤه عن عداوة هؤلاء اليهود الذين نهى المؤمنين أن يستنصحوهم في دينهم إياهم ، فقال جلّ ثناؤه : { وَاللّهُ أعْلَمُ بأعْدَائِكُمْ } يعني بذلك تعالى ذكره : والله أعلم منكم بعداوة هؤلاء اليهود أيها المؤمنون ، يقول : فانتهوا إلى طاعتي عما نهيتكم عنه من استنصاحهم في دينكمم ، فإني أعلم بما هم عليه لكم من الغشّ والعداوة والحسد وأنهم إنما يبغونكم الغوائل ، ويطلبون أن تضلوا عن محجة الحقّ فتهلكوا .
وأما قوله : { وكَفَى باللّهِ وَليّا وكَفَى باللّهِ نَصِيرا } فإنه يقول : فبالله أيها المؤمنون فثقوا ، وعليه فتوكلوا ، وإليه فارغبوا دون غيره ، يكفكم مهمكم وينصركم على أعدائكم . { وكَفَى باللّهِ وَليّا } يقول : وكفاكم وحسبكم بالله ربكم وليا يليكم ويلي أموركم بالحياطة لكم والحراسة من أن يستفزّكم أعداؤكم عن دينكم أو يصدّوكم عن اتباع نبيكم . { وكَفَى باللّهِ نَصِيرا } يقول : وحسبكم بالله ناصرا لكم على أعدائكم وأعداء دينكم ، وعلى من بغاكم الغوائل ، وبغي دينكم العوج .
جملة { والله أعلم بأعدائكم } معترضة ، وهي تعريض ؛ فإنّ إرادتهم الضلالة للمؤمنين عن عداوة وحسد .
وجملة { وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً } [ النساء : 45 ] تذييل لتَطْمئنّ نفوس المؤمنين بنصر الله ، لأنّ الإخبار عن اليهود بأنّهم يريدون ضلال المسلمين ، وأنّهم أعداء للمسلمين ، من شأنه أن يلقي الروع في قلوب المسلمين ، إذ كان اليهود المحاورون للمسلمين ذوي عَدد وعُدد ، وبيدهم الأموال ، وهم مبثوثون في المدينة وما حولها : من قينقاع وقريظة والنضِير وخِيْبر ، فعداوتهم ، وسوء نواياهم ، ليسا بالأمر الذي يستهان به ؛ فكان قوله : { وكفى بالله ولياً } مناسباً لقوله : { ويريدون أن تضلوا السبيل } ، أي إذا كانوا مضمرين لكم السوء فاللَّه وليّكم يهديكم ويتولّى أموركم شأن الوليّ مع مولاه ، وكان قوله : { وكفى بالله نصيراً } مناسباً لقوله : { بأعدائكم } ، أي فاللَّه ينصركم .
وفعل ( كفى ) في قوله : { وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً } مستعمل في تقوية اتّصاف فاعله بوصف يدلّ عليه التمييز المذكورُ بعده ، أي أنّ فاعل ( كفى ) أجدر من يتّصف بذلك الوصف ، ولأجل الدلالة على هذا غلَب في الكلام إدخال باء على فاعل فعل كفى ، وهي باء زائدة لتوكيد الكفاية ، بحيث يحصل إبهام يشوّق السامع إلى معرفة تفصيله ، فيأتون باسم يُميّز نوع تلك النسبة ليتمكّن المعنى في ذهن السامع .
وقد يجيء فاعل ( كفى ) غير مجرور بالباء ، كقول عبدِ بني الحسحاس :
كفَى الشيبُ والإسلام للمرء ناهياً
وجعل الزجّاج الباء هنا غير زائدة وقال : ضُمّن فعل كفَى معنى اكتف ، واستحسنه ابن هشام .
وشذّت زيادة الباء في المفعول ، كقول كعب بن مالك أو حسّان بن ثابت :
فكفَى بنَا فضلاً على مَنْ غَيْرُنا *** حُبَّ النبي محمّد إيّانا
وجزم الواحدي في شرح قول المتنبّي :
كفى بجسمي نحولا أنّني رجل *** لولا مخاطبتي إيّاك لم ترني
ولا تزاد الباء في فاعل { كفى } بمعنى أجزأ ، ولا التي بمعنى وقّى ، فرقا بين استعمال كفى المجازي واستعمالها الحقيقي الذي هو معنى الاكتفاء بذات الشيء نحو :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.