اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِأَعۡدَآئِكُمۡۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّٗا وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيرٗا} (45)

ثم قال : { والله أعلم بأعدائكم } أي : أعْلَم بما في قُلُوبهم وصدورهم من العَدَاوة والبَغْضاء .

قوله : { وكفى بالله ولياً } تقدم الكلام عليه أوّل السُّورة ، وكذا الكلام في المَنْصُوب بَعْده ، والمعنى : أنه - تعالى - لما بيَّن شِدَّة عداوتِهم للمسْلِمين ، بين أنه - تعالى - وليُّ المؤمِنين ونَاصِرُّهُم .

فإن قيل : ولاية اللَّه لعبده عِبارةَ عن نُصْرَته ، فَذكْر النَّصِير{[11]} بعد ذِكر الوَلِي{[12]} تكْرَارٌ .

فالجواب : أن الوَلِيَّ هو المُتَصرِّف في الشَّيْء ، والمتصرِّف في الشَّيء يجب أن يكُونَ نَاصِراً .

فإن قيل : ما الفَائِدة من تكْرار قوله : " وكفى بالله " .

فالجواب : أن التِّكْرَار في مِثل هذا المقَام يكون أشَد تَأثِيراً في القَلْب ، وأكْثَر مُبَالَغَة .

فإن قيل : ما فائدة تكرار الباء في قوله : " بالله " فذكروا وجوهاً :

أحدها : لَوْ قيل : كفى اللَّه ، يتصل الفِعْل بالفَاعِل ثم ههُنا زيدَت البَاء إيذَاناً بأن الكفاية من الله لَيْسَت كالكِفَايَة من غَيْره .

وثانيها : قال ابن السَّرَّاج{[13]} : تقديره : كفى اكْتِفَاؤُه باللَّه وَلِيًّا ، ولما ذكرت " كفى " دلَّ على الاكتفاءِ ؛ كما تقول : من كذب كان شَرّاً له ، أي : كان الكَذِبُ شرًّا له ، فأضمرته لدلالة الفِعْل عليه .

وثالثها : قال ابن الخَطيب{[14]} : البَاءُ في الأصْل للإلْصَاقِ ، وإنما يَحْسُن في المؤثِّر لذي لا وَاسِطَة بَيْنَهُ وبين التَّأثِير ، فلو قيل : كَفَى اللَّهُ ، دلَّ ذلك على كَوْنِهِ فاعلاً لهذه الكِفَايَةِ ، ولكن لا يَدُلُّ [ ذَلِك على أنَّهُ فعل ]{[15]} بِواسِطَة أو غير وَاسِطَة ، فإذا ذَكَرْت البَاء ، دلَّ على أنه - تعالى - يَفْعَل بغير واسِطَة ، بل هو - تعالى - يتكفَّل به ابتداء من غير واسطَة ؛ كقوله : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } [ ق : 16 ] .


[11]:سقط في ب.
[12]:سقط في ب.
[13]:ستأتي في "المؤمنون" 1 وينظر: شرح الطيبة 4/ 145.
[14]:قال سيبويه في الكتاب 3/265 وزعم من يوثق به: أنه سمع من العرب من يقول: "ثلاثة أربعه" طرح همزة أربعه على الهاء ففتحها، ولم يحولها تاء لأنه جعلها ساكتة والساكن لا يتغير في الإدراج، تقول: اضرب، ثم تقول: اضرب زيدا.
[15]:ينظر: الكتاب 4/ 166.