البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِأَعۡدَآئِكُمۡۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّٗا وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيرٗا} (45)

{ والله أعلم بأعدائكم } فيه تنبيه على الوصف المنافي لوداد الخير للمؤمنين وهي العداوة .

وفيه إشارة إلى التحذير منهم ، وتوبيخ على الاستنامة إليهم والركون ، والمعنى : أنه تعالى قد أخبر بعداوتهم للمؤمنين ، فيجب حذرهم كما قال تعالى : { هم العدو فاحذرهم } واعلم على بابها من التفضيل ، أي : أعلم بأعدائكم منكم .

وقيل : بمعنى عليم ، أي عليم بأعدائكم .

{ وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً } ومن كان الله وليه ونصيره فلا يبالي بالأعداء ، فثقوا بولايته ونصرته دونهم أو لا تبالوا بهم ، فإنه ينصركم عليهم ، ويكفيكم مكرهم .

وقيل : المعنى ولياً لرسوله ، نصيراً لدينه .

والباء في بالله زائدة ويجوز حذفها كما قال : سحيم :

كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا *** وزيادتها في فاعل كفى وفاعل يكفي مطردة كما قال تعالى : { أو لم يكف بربك إنه على كل شيء شهيد } وقال الزجاج : دخلت الباء في الفاعل ، لأن معنى الكلام الأمر أي : اكتفوا بالله .

وكلام الزجاج مشعر أن الباء ليست بزائدة ، ولا يصح ما قال من المعنى ، لأن الأمر يقتضي أن يكون فاعله هم المخاطبون ، ويكون بالله متعلقاً به .

وكون الباء دخلت في الفاعل يقتضي أن يكون الفاعل هو الله لا المخاطبون ، فتناقض قوله .

وقال ابن السراج : معناه كفى الاكتفاء بالله ، وهذا أيضاً يدل على أن الباء ليست زائدة إذ تتعلق بالاكتفاء ، فالاكتفاء هو الفاعل لكفى .

وهذا أيضاً لا يصح لأنّ فيه حذف المصدر وهو موصول ، وإبقاء معموله وهو لا يجوز إلا في الشعر نحو قوله :

هل تذكرنّ إلى الدّيرين هجرتكم *** ومسحكم صلبكم رحمان قربانا

التقدير : وقولكم يا رحمن قرباناً .

وقال ابن عطية : بالله في موضع رفع بتقدير زيادة الخافض ، وفائدة زيادته تبيين معنى الأمر في صورة الخبر ، أي : اكتفوا بالله ، فالباء تدل على المراد من ذلك .

وهذا الذي قاله ابن عطية ملفق بعضه من كلام الزجاج ، وهو أفسد من قول الزجاج ، لأنه زاد على تناقض اختلاف الفاعل تناقض اختلاف معنى الحرف ، إذ بالنسبة لكون الله فاعلاً هو زائد ، وبالنسبة إلى أن معناه اكتفوا بالله هو غير زائد .

وقال ابن عيسى : إنما دخلت الباء في كفى بالله لأنه كان يتصل الفاعل وبدخول الباء اتصل اتصال المضاف واتصال الفاعل ، لأن الكفارية منه ليست كالكفاية من غيره ، فضوعف لفظها لمضاعفة معناها ، وهو كلام يحتاج إلى تأويل .

وقد تقدم الكلام على كفى بالله في قوله : { فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيباً } لكن تكرر هنا لما تضمن من مزيد : نقول : ورد بعضها .

وانتصاب ولياً ونصيراً قيل : على الحال .

وقيل : على التمييز ، وهو أجود لجواز دخول من .

/خ46