تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱلۡمُورِيَٰتِ قَدۡحٗا} (2)

{ فَالْمُورِيَاتِ } بحوافرهن ما يطأن عليه من الأحجار { قَدْحًا } أي : تقدح{[1468]}  النار من صلابة حوافرهن ، [ وقوتهن ] إذا عدون .


[1468]:- في ب: تنقدح.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱلۡمُورِيَٰتِ قَدۡحٗا} (2)

وقوله : { فالمُورِيات قَدْحا } اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : هي الخيل تُورِي النارَ بحوافرها . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا أبو رجاء ، قال : سُئل عِكرِمة ، عن قوله : { فالمُورِياتِ قَدْحا } قال : أوْرَتْ وقَدَحتْ .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { فالمُورِياتِ قَدْحا } قال : هي الخيل ، وقال الكلبيّ : تقدح بحوافرها حتى يخرج منها النار .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن واصل ، عن عطاء { فالمُورِياتِ قَدْحا } قال : أورت النار بحوافرها .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { فالمُورِياتِ قَدْحا } تُوري الحجارةَ بحوافرها .

وقال آخرون : بل معنى ذلك أن الخيل هِجْنَ الحرب بين أصحابهنّ ورُكْبانهنّ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { فالمُورِياتِ قَدْحا } قال : هِجْنَ الحرب بينهم وبين عدوّهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سعيد ، عن قتادة { فالمُورِياتِ قَدْحا } قال : هجِن الحرب بينهم وبين عدوّهم .

وقال آخرون : بل عُنِي بذلك : الذين يُورون النار بعد انصرافهم من الحرب . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، عن أبي معاوية البَجَلِيّ ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : سألني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن الْعادِياتِ ضَبْحا فالمُورِياتِ قَدْحا فقلت له : الخيل تغير في سبيل الله ، ثم تأوِي إلى الليل ، فيصنعون طعامهم ، ويورون نارهم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : مكر الرجال . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { فالمُورِياتِ قَدْحا } قال : المكر .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { فالمُورِياتِ قَدْحا } قال : مكر الرجال .

وقال آخرون : هي الألسنة ، ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا يونس بن محمد ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن سمِاك بن حرب ، عن عكرِمة قال : يُقال في هذه الآية { فالمُورِياتِ قَدْحا } قال : هي الألسنة .

وقال آخرون : هي الإبل حين تسير تَنْسِفَ بمناسمها الحصى . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مُغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله : { فالمُورِياتِ قَدْحا } قال : إذا نَسَفت الحصى بمناسمها ، فضربَ الحصَى بعضُه بعضا ، فيخرج منه النار .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن يقال : إن الله تعالى ذكره أقسم بالموريات التي توري النيران قدحا ، فالخيل تُوري بحوافرها ، والناس يورونها بالزّند ، واللسان - مثلاً -يوري بالمنطق ، والرجال يورون بالمكر -مثلاً- ، وكذلك الخيل تهيج الحرب بين أهلها : إذا التقت في الحرب ، ولم يضع الله دلالة على أن المراد من ذلك بعضٌ دون بعض ، فكلّ ما أوْرت النارَ قدْحا فداخلة فيما أقسم به ، لعموم ذلك بالظاهر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَٱلۡمُورِيَٰتِ قَدۡحٗا} (2)

قوله تعالى { فالموريات قدحاً } قال علي بن أبي طالب وابن مسعود : هي الإبل ، وذلك أنها في عدوها ترجم الحصى بالحصى فيتطاير منه النار ، فذلك القدح . قال ابن عباس : هي الخيل ، وذلك بحوافرها في الحجارة ، وذلك معروف . وقال عكرمة : { الموريات قدحاً } : هي الألسن ، فهذا على الاستعارة ، أي ببيانها تقدح الحجج وتظهرها . وقال مجاهد : { الموريات قدحاً } ، يريد به مكر الرجال ، وقال قتادة : { الموريات } ، الخيل تشعل الحرب ، فهذا أيضاً على الاستعارة البينة ، وقال ابن عباس أيضاً وجماعة من العلماء : الكلام عام يدخل في القسم كل من يظهر بقدحه ناراً ، وذلك شائع في الأمم طول الدهر وهو نفع عظيم من الله تعالى ، وقد وقف عليه في قوله تعالى : { أفرأيتم النار التي تورون }{[11949]} [ الواقعة : 71 ] معناه : تظهرون بالقدح ، قال عدي بن زيد : [ الخفيف ]

فقدحنا زناداً وورينا . . . فوق جرثومة من الأرض نار{[11950]}


[11949]:الآية 71 من سورة الواقعة.
[11950]:الشاعر هو عدي بن زيد العبادي، كثير من العلماء لا يرون شعره حجة، وقدح الزناد: ضربه بحجر لإخراج النار منه، وورينا النار: أوقدناها. والجرثومة: المكان المرتفع من الأرض، وقد تجمع من تراب أو طين.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَٱلۡمُورِيَٰتِ قَدۡحٗا} (2)

والموريات : التي توري ، أي توقد .

والقَدْح : حكّ جسم على آخر ليقدح ناراً ، يقال : قدح فأورَى . وانتصب { قدحا } على أنه مفعول مطلق مُؤكّد لعامله . وكل من سنابك الخيل ومناسم الإِبل تقدح إذا صَكَّت الحجر الصَّوَّان ناراً تسمى نار الحُباحب ، قال الشنفرى يشبِّه نفسه في العدو ببعير :

إذا الأمْعَز الصَّوَّان لاقَى مَناسمي *** تَطَايَر منه قَادح ومُفلَّل

وذلك كناية عن الإِمعان في العدو وشدة السرعة في السير .

ويجوز أن يراد قَدح النيرَان بالليل حين نزولهم لحاجتهم وطعامهم ، وجُوز أن يكون { الموريات قدحاً } مستعار لإِثارة الحرب لأن الحرب تشبَّه بالنار . قال تعالى : { كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها اللَّه } [ المائدة : 64 ] ، فيكون { قدحاً } ترشيحاً لاستعارة { الموريات } ومنصوباً على المفعول المطلق ل { الموريات } وجُوز أن يكون { قدحاً } بمعنى استخراج المرق من القِدر في القداح لإِطعام الجيش أو الركْب ، وهو مشتق من اسم القَدَح ، وهو الصحفة فيكون { قدحاً } مصدراً منصوباً على المفعول لأجله .