السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَٱلۡمُورِيَٰتِ قَدۡحٗا} (2)

ثم اتبع عدوها ما ينشأ عنه فقال تعالى عاطفاً بأداة التعقيب : { فالموريات قدحاً } قال عكرمة والضحاك : هي الخيل توري النار بحوافرها إذا سارت في الحجارة ، لاسيما عند سلوك الأوعار . وقدحاً منصوب لما انتصب به ضبحاً . قال الزمخشري : ففيه الثلاثة أوجه المتقدّمة . وعن ابن عباس : أورت بحوافرها غباراً ، وهذا إنما يناسب من فسر العاديات بالإبل . وقال ابن مسعود : هي الإبل تطأ الحصى فتخرج منه النار . أصل القدح : الاستخراج ، ومنه قدحت العين إذا أخرجت منها الماء الفاسد . وعن قتادة وابن عباس أيضاً أنّ الموريات قدحاً الرجال في الحرب ، والعرب تقول إذا أرادوا أنّ الرجل يمكر بصاحبه : والله لأمكرنّ بك ، ثم لأورين لك . وعن ابن عباس أيضاً : هم الذين يغزون ، فيورون نيرانهم بالليل لحاجتهم وطعامهم ، وعنه أيضاً : إنها نيران المجاهدين إذا كثرت إرهاباً ليظنهم العدوّ كثيراً . قال القرطبي : وهذه الأقوال مجاز ، كقولهم : فلان يوري زناد الضلالة ، والأوّل الحقيقة ، وأنّ الخيل من شدّة عدوها تقدح النار بحوافرها . وقال مقاتل : تسمى تلك النار نار أبي حباب ، وأبو حباب كان شيخاً من مضر في الجاهلية من أبخل الناس ، وكان لا يوقد نار الخبز ولا غيره حتى تنام العيون ، فيوقد نويرة تقد مرّة ، وتخمد أخرى ، فإن استيقظ لها أحداً أطفأها كراهة أن ينتفع بها أحد ، فشبهت العرب هذه النار بناره ؛ لأنه لا ينتفع بها .