والله تعالى أصدق قيلا ، وأصدق حديثا ، و { هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ } وأعلم بمن يهتدي . ويهدي . فيجب عليكم -أيها المؤمنون- أن تتبعوا نصائحه وأوامره ونواهيه لأنه أعلم بمصالحكم ، وأرحم بكم من أنفسكم .
ودلت هذه الآية ، على أنه لا يستدل على الحق ، بكثرة أهله ، ولا يدل قلة السالكين لأمر من الأمور أن يكون غير حق ، بل الواقع بخلاف ذلك ، فإن أهل الحق هم الأقلون عددا ، الأعظمون -عند الله- قدرا وأجرا ، بل الواجب أن يستدل على الحق والباطل ، بالطرق الموصلة إليه .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ رَبّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا محمد إن ربك الذي نهاك أن تطيع هؤلاء العادلين بالله الأوثان ، لئلا يضلوك عن سبيله ، هو أعلم منك ومن جميع خلقه ، أيّ خلقه يضلّ عن سبيله بزخرف القول الذي يوحي الشياطين بعضهم إلى بعض ، فيصدّوا عن طاعته واتباع ما أمر به .
{ وَهُوَ أعْلَمُ بالمُهْتَدِينَ }يقول : وهو أعلم أيضا منك ومنهم بمن كان على استقامة وسداد ، لا يخفى عليه منهم أحد . يقول : واتبع يا محمد ما أمرتك به ، وانته عما نهيتك عنه من طاعة من نهيتك عن طاعته ، فإني أعلم بالهادي والمضلّ من خلقي منك .
واختلف أهل العربية في موضع «مَنْ » في قوله : إنّ رَبّكَ هُوَ أعْلَمُ مَنْ يَضلّ . فقال بعض نحويي البصرة : موضعه خفض بنية الباء ، قال : ومعنى الكلام : إن ربك هو أعلم بمن يضلّ . وقال بعض نحويي الكوفة : موضعه رفع ، لأنه بمعنى أيّ ، والرافع له «يضلّ » .
والصواب من القول في ذلك : أنه رفع ب «يضلّ » وهو في معنى أيّ . وغير معلوم في كلام العرب اسم مخفوض بغير خافض فيكون هذا له نظيرا . وقد زعم بعضهم أن قوله : أعْلَمُ في هذا الموضع بمعنى «يعلم » ، واستشهد لقيله ببيت حاتم الطائي :
فحالَفَتْ طَيّىءٌ مِنْ دونِنا حِلِفا ***واللّهُ أعلمُ ما كُنا لَهُمْ خُذُلا
القَوْمُ أعْلَمُ أنّ جَفْنَتَهُ ***تَغْدُو غَداةَ الرّيحِ أوْ تَسْرِي
وهذا الذي قاله قائل هذا التأويل وإن كان جائزا في كلام العرب ، فليس قول الله تعالى : { إنّ رَبّكَ هُوَ أعْلَمُ مَنْ يَضِلّ عَنْ سَبِيلِهِ } منه وذلك أنه عطف عليه بقوله : { وَهُوَ أعْلَمُ بالمُهْتَدِينَ }فأبان بدخول الباء في «المهتدين » أن أعلم ليس بمعنى يعلم ، لأن ذلك إذ كان بمعنى يفعل لم يوصل بالباء ، كما لا يقال هو يعلم بزيد ، بمعنى يعلم زيدا .
وقرأ جمهور الناس «يضل » بفتح الياء .
وقرأ الحسن بن أبي الحسن «يُضل » بضم الياء ، ورواه أحمد بن أبي شريح عن الكسائي ، و { من } في قوله { من يضل } في موضع نصب بفعل مضمر تقديره يعلم من ، وقيل في موضع رفع كأنه قال أي يضل عن سبيله ؛ ذكره أبو الفتح وضعفه أبوعلي وقيل في موضع خفض بإضمار باء الجر كأنه قال : بمن يضل عن سبيله ، وهذا ضعيف ، قال أبو الفتح هذا هو المراد فحذفت باء الجر ووصل { أعلم } بنفسه ، قال ولا يجوز أن يكون { أعلم } مضافاً إلى { من } لأن أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه ، وهذه الآية خبر في ضمنه وعيد للضالين ووعد للمهتدين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.