تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ءَأَنتُمۡ أَنشَأۡتُمۡ شَجَرَتَهَآ أَمۡ نَحۡنُ ٱلۡمُنشِـُٔونَ} (72)

وأن الخلق لا يقدرون أن ينشئوا شجرها ، وإنما الله تعالى الذي أنشأها من الشجر الأخضر ، فإذا هي نار توقد بقدر حاجة العباد ، فإذا فرغوا من حاجتهم ، أطفأوها وأخمدوها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ءَأَنتُمۡ أَنشَأۡتُمۡ شَجَرَتَهَآ أَمۡ نَحۡنُ ٱلۡمُنشِـُٔونَ} (72)

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الدليل الرابع على قدرته - تعالى - على البعث والنشور ، فقال - تعالى - : { أَفَرَأَيْتُمُ النار التي تُورُونَ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ المنشئون نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم } .

وقوله : { تُورُونَ } أى : توقدون ، من أورى النار إذا قدحها وأوقدها . ويقال : وَرَى الزندُ يَرِى وَرْيًا ، إذا خرجت ناره - وفعله من باب وعى - وأوراه غيره إذا استخرج النار منه .

وقوله : { لِّلْمُقْوِينَ } مأخوذ من أقوى الرجل إذا دخل فى القواء ، وهو الفضاء الخالى من العمران ، والمراد بهم هنا المسافرون ، لأنهم فى معظم الأحيان يسلكون فى سفرهم الصحارى والفضاء من الأرض .

وخصهم - سبحانه - بالذكر ، لأنهم أكثر من غيرهم انتفاعا بالنار ، وأحوج من غيرهم إليها .

والمراد بشجرة النار : المرخ والعفار ، وهما شجرتان ، يقدح غصن إحدهما بغصن الأخرى فتتولد النار منهما بقدرة الله - تعالى - .

ومن أمثال العرب : لكل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار . أى : وعلا على غيرهما المرخ والعفار لأنهما أكثر الشجر نصيبا فى استخراج النار ، فهو مثل يضرب فى تفضيل الشىء على غيره .

والمعنى : وأخبرونى - أيضا - عن النار التى تقدحونها وتستخرجونها من الشجر الرطب الأخضر ، أأنتم خلقتم شجرتها ، واخترعتم أصلها ، أم نحن الخالقون لها وحدنا ؟

لا شك أن الجواب الذى لا جواب غيره ، أننا نحن الذين أنشأنا شجرتها لا أنتم .

ونحن الذين جعلناها تذكرة ، تذكر الناس بها فى دار الدنيا إذا أحسوا بشدة حرارتها ، بنار الآخرة التى هى أشد وأبقى ، حتى يقلعوا عن الأقوال والأفعال التى تؤدى بهم إلى نار الآخرة .

ونحن - أيضا - الذين جعلنا هذه النار { مَتَاعاً } أى منفعة { لِّلْمُقْوِينَ } أى للمسافرين ، والذين هم فى حاجة إليها فى شئونهم المختلفة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ءَأَنتُمۡ أَنشَأۡتُمۡ شَجَرَتَهَآ أَمۡ نَحۡنُ ٱلۡمُنشِـُٔونَ} (72)

وشجرة النار : هي جنس الشجر الذي فيه حُرَّاق ، أي ما يقتدح منه النار وهو شجر الزَّنْد أو الزِّنَاد وأشجار النار كثيرة منها المَرْخ ( بفتح فسكون ) والعَفار ( بفتح العين ) والعُشَر ( بضم ففتح ) والكَلْخ ( بفتح فسكون ) ومن الأمثال « في كل شجر نار ، واستَمْجَدَ المَرْخُ والعفار » أي أكثر من النار .

و { تُورُون } : مضارع أورى الزَّنْد إذا حكَّه بمثله يستخرج منه النار كانوا يضعون عوداً من شجر النار ويحكّونه من أعلاه بعود مثله فتخرج النار من العود الأسفل ويسمى العُودُ الأعلى زَنداً ( بفتح الزاي وسكون النون ) وزناداً ( بكسر الزاي ) ويسمى الأسفل زَندة بهاء تأنيث في آخره ، شبّهوا العود الأعلى بالفحل وشبهوا العود الأسفل بالطروقة وقد تابع ذو الرمة هذا المعنى في وصفه الاقتداح للنار فقال على شبه الإِلغاز :

وسِقطٍ كعين الديك عاورتُ صاحبي *** أبَاهـــا وهيَّأْنا لموقعها وكْرا

مشهَّرة لا تُمكنُ الفحلَ أُمَّهــــا *** إذا نَحن لم نمسك بأطرافها قسرا

وحذف العائد على الموصول لأن ضمير النصب يكثر حذفه من الصلة ، وتقديره : التي تورونها .

وتعدية { تورون } إلى ضمير { النار } تعدية على تقدير مضاف ، أي تورون شجرتها كما دل عليه قوله : { أأنتم أنشأتم شجرتها } ، وقد شاع هذا الحذف في الكلام فقالوا : أورى النار كما قالوا : أورى الزناد .

وجملة { أأنتم أنشأتم شجرتها } الخ بيان لجملة { أفرأيتم النار } الخ كما تقدم في قوله : { أأنتم تخلقونه } [ الواقعة : 59 ] .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ءَأَنتُمۡ أَنشَأۡتُمۡ شَجَرَتَهَآ أَمۡ نَحۡنُ ٱلۡمُنشِـُٔونَ} (72)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{أأنتم أنشأتم} يعني خلقتم {شجرتها أم نحن المنشئون} يعني الخالقون...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها الناس النار التي تستخرجون من زَنْدكم" أأنْتُمْ أنْشأْتُم شَجَرَتَهَا "يقول: أأنتم أحدثتم شجرتها واخترعتم أصلها "أمْ نَحْنُ المُنْشِئُونَ"؟ يقول: أم نحن اخترعنا ذلك وأحدثناه؟...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون} قيل: هي الشجرة التي تجعل حطبا، وتوقد بها النار، وتحرق. وقيل: هي الشجرة التي فيها النار التي تتخذ منها الزّنود. والأول أقرب، والله أعلم...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{أأنتم أنشأتم شجرتها} وقال بعض أهل النظر: أراد بالشجرة نفس النار، وكأنه يقول نوعها أو جنسها فاستعار الشجرة لذلك..

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ءأنتم أنشأتم} أي اخترعتم وأوجدتم وأودعتم وأحييتم وربيتم وأوقعتم... {أم نحن} أي خاصة، وأكد بقوله: {المنشئون} أي لها بما لنا من العظمة على تلك الهيئة، فمن قدر على إيجاد النار التي هي أيبس ما يكون من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها في كيفيتها، كان أقدر على إعادة الطراوة والغضاضة في تراب الجسد الذي كان غضاً طرياً فيبس وبلي، والآية من الاحتباك بمثل ما مضى في أخواتها سواء.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

وليس هذا السؤال في موقع الترديد، بل هو في موقع إعلان الحقيقة، باعترافهم الذي يفرضه الواقع الذي لا مجال للشكّ فيه، وإذا كانت الآية تتحدث عن خروج النار من الشجرة، فلأنها كانت الطريقة المألوفة لدى العرب في إشعال النار، ولكن الحديث عن النار حديثٌ مطلقٌ يشمل ما يستحدثه الإنسان من وسائل إشعالها من فحم حجريّ وبترول وكهرباء وذرّة وشمس، وغير ذلك مما أودع الله فيه سرّ النار...