تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يَعۡقِلُونَ} (42)

{ 42 - 44 ْ } { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ * إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ْ }

يخبر تعالى عن بعض المكذبين للرسول ، ولما جاء به ، و  أن { منهم مَنْ يَسْتَمِعُونَ ْ } إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقت قراءته للوحي ، لا على وجه الاسترشاد ، بل على وجه التفرج والتكذيب وتطلب{[399]}  العثرات ، وهذا استماع غير نافع ، ولا مُجدٍ على أهله خيرًا ، لا جرم انسد عليهم باب التوفيق ، وحرموا من فائدة الاستماع ، ولهذا قال : { أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ ْ } وهذا الاستفهام ، بمعنى النفي المتقرر ، أي : لا تسمع الصم الذين لا يستمعون القول ولو جهرت به ، وخصوصًا إذا كان عقلهم معدومًا .

فإذا كان من المحال إسماع الأصم الذي لا يعقل للكلام ، فهؤلاء المكذبون ، كذلك ممتنع إسماعك إياهم ، إسماعًا ينتفعون به .

وأما سماع الحجة ، فقد سمعوا ما تقوم عليهم به حجة الله البالغة ، فهذا طريق عظيم من طرق العلم قد انسد عليهم ، وهو طريق المسموعات المتعلقة بالخير .


[399]:- كذا في ب، وفي أ: وتتطلب.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يَعۡقِلُونَ} (42)

ثم صور - سبحانه - ما عليه أولئك الجاحدون من جهالات مطبقة ، وغباء مستحكم فقال - تعالى - : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ . وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي العمي وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ } .

أى : ومن هؤلاء المشركين - يا محمد - من يستمعون إليك وأنت تقرأ عليهم القرآن وترشدهم إلى ما ينفعهم ، ولكنهم يستمعون بلا تدبر أو فهم ، فهل أنت - يا محمد - في إمكانك أن تسمع الصم ، ولو انضم إلى صممهم عدم تعقلهم ، لأن الأصم العاقل - كما يقول صاحب الكشاف - ربما تفرس واستدل إذا وقع في صماخه دوى الصوت ، فإذا اجتمع سلب السمع والعقل جميعا فقد تم الأمر .

ومنهم - أيضاً - من ينظر إليك ، ويشاهد البراهين الدالى على صدقك ، فإن وجهك ليس بوجه كذاب ، ولكنه لا يتبع دعوتك جحودا وعنادا ، فهل أنت في إمكانك أن تهدي العمى ولو انضم إلى فقدان بصرهم فقدان بصيرتهم فأنت ترى أن هاتين الآيتين قد نعتا على المشركين جهالاتهم ، وانطماس بصيرتهم ، بحيث صاروا لا ينتفعون بنعم الله التي أنعم بها عليهم .

فقد وصمهم - سبحانه - يفقدان السمع والبصر والعقل ، مع أنهم يسمعون ويبصرون ويعقلو ، لأنهم لما لم يستعملوا نعم الله فيما خلقت له ، صارت هيا والعدم سواء .

والاستفهام في الآيتين للإِنكار والاستبعاد .

وجواب { لو } في الآيتين محذوف لدلالة ما قبله عليه ، والجملة معطوفة على جملة مقدرة مقابلة لها . أى : أفأنت تسمع الصم لو كانوا يعقلون ولو كانوا لا يعقلون ، على معنى أفأنت تستطيع إسماعهم في الحالتين ؟ كلا لا تستطيع ذلك وإنما القادر على ذلك هو الله وحده .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يَعۡقِلُونَ} (42)

وقوله تعالى { ومنهم من يستمعون إليك } ، جمع { يستمعون } على معنى { من } لا على لفظها ، ومعنى الآية : ومن هؤلاء الكفار من يستمع إلى ما يأتي به من القرآن بإذنه ولكنه حين لا يؤمن ولا يحصل فكأنه لا يسمع ، ثم قال على وجه التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم : أفأنت يا محمد تريد أن تسمع الصم .

أي لا تكترث بذلك ، وقوله { ولو كانوا لا يعقلون } معناه : ولو كانوا من أشد حالات الأصم ، لأن الأصم الذي لا يسمع شيئاً بحال ، فذلك لا يكون في الأغلب إلا مع فساد العقل والدماغ فلا سبيل أن يعقل حجة ولا دليلاً أبداً ، { ولو } هذه بمعنى «إن » وهذا توقيف للنبي صلى الله عليه وسلم أي ألزم نفسك هذا .