فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَۚ أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوۡ كَانُواْ لَا يَعۡقِلُونَ} (42)

{ ومنهم من يستمعون إليك } بين الله سبحانه في هذا أن في أولئك الكفار من بلغت حاله ، في النفرة والعداوة إلى هذا الحد وهي أنهم يستمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ وعلم الشرائع في الظاهر ولكنهم لا يسمعون في الحقيقة لعدم حصول أثر السماع وهو حصول القبول والعمل بما يسمعونه ، وجمع الضمير في يستمعون حملا على معنى من وأفرده في ومنهم من ينظر حملا على لفظه ، قيل والنكتة كثرة المستمعين بالنسبة إلى الناظرين لأن الاستماع لا يتوقف على ما يتوقف عليه النظر من المقابلة وانتقاء الحائل وانفصال الشعاع والنور الموافق لنور البصر ، والتقدير في قوله ومنهم من يستمعون ومنهم من ينظر ومنهم ناس يستمعون ومنهم بعض ينظر .

{ أفأنت تسمع الصم } الهمزة للإنكار يعني أن هؤلاء وإن استمعوا في الظاهر فهم صم والصمم مانع من سماعهم فكيف يطمع منهم في ذلك مع حصول المانع وهو الصمم فكيف إذا انضم إلى ذلك { ولو كانوا لا يعقلون } فإن من كان أصم غير عاقل لا يفهم شيئا ولا يسمع ما يقال له ، والفاء عاطفة .

وفيه تنبيه على أن حقيقة استماع الكلام فهم المعنى المقصود منه ولذلك لا توصف به البهائم وهو لا يتأتى إلا باستعمال العقل السليم في تدبره وعقولهم لما كانت مريضة بمعارضة الوهم ومتابعة الإلف والتقليد تعذر إفهامهم الحكم والمعاني الدقيقة فلم ينتفعوا بسرد الألفاظ عليهم غير ما ينتفع به البهائم من كلام الناعق .