وبعد أن نفى - سبحانه - أن يكون للشيطان سلطان على نفوس المؤمنين الصادقين، أثبت - سبحانه - أن تسلط الشيطان إنما هو على نفوس الضالين، فقال - تعالى -: { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى? ?لَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ?لَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ }.
أى: إنما تسلط الشيطان وتأثيره على الضالين الفاسقين الذين { يتولونه } أى: يتقربون منه، ويجعلونه واليا عليهم، فيحبونه ويطيعونه ويتبعون خطواته.
فقوله { يتولونه } من الوَلْى - بفتح الواو وسكون اللام - بمعنى القرب والنصرة وقوله: { وَ?لَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } أى: والذين هم بسبب الشيطان وإغوائه لهم، مشركون مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة.
فالضمير فى " به " يعود إلى الشيطان، والباء للسببية.
ويرى بعضهم أن الضمير فى " به " يعود على الله - تعالى، وأن الباء للتعدية، فيكون المعنى: إنما سلطان الشيطان على الذين يطيعونه، والذين هم بالله - تعالى - مشركون.
قالوا، والأول أرجح لاتحاد الضمائر فيه، ولأنه هو المتبادر إلى الذهن.
وبذلك نرى الآيات الكريمة، تأمر المؤمنين بأن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، عند قراءتهم للقرآن الكريم، كما نراها تبشرهم بأنه لا سلطان للشيطان عليهم ما داموا معتصمين بحبل الله - تعالى - ومنفذين لأوامره، ومعتمدين عليه.
ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك بعض الأقاويل التى قالها المشركون عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن القرآن الكريم، ورد عليها بما يخرس ألسنتهم فقال تعالى: { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَ?للَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُو?اْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ... }.
{ ليس له سلطان } يوم القيامة ، فيستقيم أن يكون بمعنى الحجة ؛ لأن إبليس له حجة على الكافرين أنه دعاهم بغير دليل فاستجابوا له من قبل أنفسهم ، وهؤلاء الذين لا سلطان ولا رياسة لإبليس عليهم هم المؤمنون أجمعون ؛ لأن الله لم يجعل سلطانه إلا على المشركين الذين يتولونه ، والسلطان منفي هاهنا في الإشراك ، إذ له عليهم ملكة ما في المعاصي ، وهم الذين قال الله فيهم : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان }{[7412]} [ الحجر : 42 ] ، وهم الذين قال إبليس فيهم : { إلا عبادك منهم المخلصين }{[7413]} [ الحجر : 40 ] .
و { يتولونه } ، معناه : يجعلونه ولياً ، والضمير فيه يحتمل أن يعود على اسم الله عز وجل ، والظاهر أنه يعود على اسم إبليس ، بمعنى من أجله وبسببه ، كما تقول لمعلمك : أنا عالم بك ، أي : بسببك ، فكأنه قال : والذين هم بسببه مشركون بالله ، وهذا الإخبار بأن لا سلطان للشيطان على المؤمنين بعقب الأمر بالاستعاذة ، تقتضي أن الاستعاذة تتصرف كيده ، كأنها متضمنة للتوكل على الله والانقطاع إليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.