إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّمَا سُلۡطَٰنُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوۡنَهُۥ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِۦ مُشۡرِكُونَ} (100)

{ إِنَّمَا سلطانه } ، أي : تسلّطُه وولايتُه بدعوته المستتبعةِ للاستجابة ، لا سلطانُه بالقسر والإلجاء ، فإنه مُنتفٍ عن الفريقين ؛ لقوله سبحانه حكايةً عنه : { وَمَا كَانَ لي عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لي } ، وقد أفصح عنه قولُه تعالى : { على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ } ، أي : يتخذونه وليًّا ، ويستجيبون دعوتَه ويُطيعونه ، فإن المقسورَ بمعزل من ذلك . { والذين هُم بِهِ } سبحانه وتعالى { مُّشْرِكُونَ } ، أو بسبب الشيطانِ مشركون ؛ إذ هو الذي حملهم على الإشراك بالله سبحانه ، وقصُر سلطانه عليهم غِبَّ نفيه عن المؤمنين المتوكلين دليلٌ على أنْ لا واسطة في الخارج بين التوكل على الله تعالى وبين تولي الشيطان ، وإن كان بينهما واسطةٌ في المفهوم ، وأن من لم يتوكل عليه تعالى ينتظمُ في سلك مَنْ يتولّى الشيطانَ من حيث لا يحتسب ؛ إذ به يتم التعليلُ ، ففيه مبالغةٌ في الحمل على التوكل والتحذيرِ عن مقابله ، وإيثارُ الجملة الفعليةِ الاستقبالية في الصلة الأولى لما مر من إفادة الاستمرارِ التجدّدي ، كما أن اختيارَ الجملةِ الاسميةِ في الثانية للدلالة على الثبات ، وتكريرُ الموصولِ للاحتراز عن توهم كونِ الصلةِ الثانية حاليةً مفيدةً لعدم دخول غيرِ المشركين من أولياء الشيطانِ تحت سلطانِه ، وتقديمُ الأولى على الثانية التي هي بمقابلة الصلة الأولى فيما سلف ؛ لرعاية المقارَنةِ بينها وبين ما يقابلها من التوكل على الله تعالى ، ولو رُوعيَ الترتيبُ السابق لانفصل كلٌّ من القرينتين عما يقابلها .