المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{إِنَّمَا سُلۡطَٰنُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوۡنَهُۥ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِۦ مُشۡرِكُونَ} (100)

{ ليس له سلطان } يوم القيامة ، فيستقيم أن يكون بمعنى الحجة ؛ لأن إبليس له حجة على الكافرين أنه دعاهم بغير دليل فاستجابوا له من قبل أنفسهم ، وهؤلاء الذين لا سلطان ولا رياسة لإبليس عليهم هم المؤمنون أجمعون ؛ لأن الله لم يجعل سلطانه إلا على المشركين الذين يتولونه ، والسلطان منفي هاهنا في الإشراك ، إذ له عليهم ملكة ما في المعاصي ، وهم الذين قال الله فيهم : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان }{[7412]} [ الحجر : 42 ] ، وهم الذين قال إبليس فيهم : { إلا عبادك منهم المخلصين }{[7413]} [ الحجر : 40 ] .

و { يتولونه } ، معناه : يجعلونه ولياً ، والضمير فيه يحتمل أن يعود على اسم الله عز وجل ، والظاهر أنه يعود على اسم إبليس ، بمعنى من أجله وبسببه ، كما تقول لمعلمك : أنا عالم بك ، أي : بسببك ، فكأنه قال : والذين هم بسببه مشركون بالله ، وهذا الإخبار بأن لا سلطان للشيطان على المؤمنين بعقب الأمر بالاستعاذة ، تقتضي أن الاستعاذة تتصرف كيده ، كأنها متضمنة للتوكل على الله والانقطاع إليه .


[7412]:من الآية (42) من سورة (الحجر).
[7413]:الآية (40) من سورة (الحجر).