تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِلَّا مَنۡ خَطِفَ ٱلۡخَطۡفَةَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ ثَاقِبٞ} (10)

ولولا أنه [ تعالى ] استثنى ، لكان ذلك دليلا على أنهم لا يستمعون شيئا أصلا ، ولكن قال : { إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ } أي : إلا من تلقف من الشياطين المردة ، الكلمة الواحدة على وجه الخفية والسرقة { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } تارة يدركه قبل أن يوصلها إلى أوليائه ، فينقطع خبر السماء ، وتارة يخبر بها قبل أن يدركه الشهاب ، فيكذبون معها مائة كذبة يروجونها بسبب الكلمة التي سمعت من السماء .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِلَّا مَنۡ خَطِفَ ٱلۡخَطۡفَةَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ ثَاقِبٞ} (10)

وقوله : { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة } استثناء من الواو فى { يسمعون } و " مَنْ فى محل بدل من الواو .

والخطف : الأخذ للشئ بسرعة وخفية واختلاس وغفلة من المأخوذ منه .

أى : لا يسمع الشياطين إلى الملأ الأعلى ، إلا الشيطان الذى خطف الخطفة من كلام الملائكة بسرعة موخفة ، فيما يتفاوضون فيه من أحوال البشر - دون ما يتعلق بالوحى - فإنه فى هذه الحالة يتبع هذا الشيطان ويلحقه { شِهَابٌ ثَاقِبٌ } أى : شعلة من النار تثقب الجو بضوئها فتهلكه وتحرقه وتثقبه وتمزقه .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَأَنَّا لَمَسْنَا السمآء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً . وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } ومما يدل على أن استراقهم للسمع ، واختطافهم للخطفة ، إنما يكون فى غير الوحى ، قوله - تعالى - { إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ } وعن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال : كانت الشياطين مقاعد من السماء فكانوا يستمعون الوحى قال : وكانت النجوم لا تجرى ، وكانت الشياطين لا ترمى . قال : فإذا سمعوا الوحى نزلوا إلى الأرض ، فزادوا فى الكلمة تسعا . قال : فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الشيطان إذا قعد مقعده ، جاءه شهاب فلم يخطئه حتى يحرقه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِلَّا مَنۡ خَطِفَ ٱلۡخَطۡفَةَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ ثَاقِبٞ} (10)

وقوله : { إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ } أي : إلا من اختطف من الشياطين الخطفة ، وهي الكلمة يسمعها من السماء فيلقيها إلى الذي تحته ، ويلقيها الآخر إلى الذي تحته ، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها بقدر الله قبل أن يأتيه الشهاب فيحرقه ، فيذهب بها الآخر إلى الكاهن ، كما تقدم في الحديث ، ولهذا قال : { إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } أي : مستنير .

قال{[24918]} ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا وَكِيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس قال : كان للشياطين مقاعد في السماء فكانوا{[24919]} يستمعون الوحي . قال : وكانت النجوم لا تجري ، وكانت الشياطين لا تُرْمى قال : فإذا سمعوا{[24920]} الوحي نزلوا إلى الأرض ، فزادوا في الكلمة تسعًا . قال : فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جعل الشيطان إذا قعد مقعده جاء شهاب فلم يُخْطئه حتى يُحرقَه . قال : فشكوا ذلك إلى إبليس ، فقال : ما هو إلا من أمْر حدث . قال : فَبَثّ جنوده ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي بين جبلي نخلة - قال وكيع : يعني بطن نخلة - قال : فرجعوا إلى إبليس فأخبروه ، فقال : هذا الذي حدث . {[24921]}

وستأتي الأحاديث الواردة مع الآثار في هذا المعنى عند قوله تعالى إخبارا عن الجن أنهم قالوا : { وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا . وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا . وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا } [ الجن : 8 - 10 ] .


[24918]:- في ت: "وروى".
[24919]:- (2) في ت، س: "قال: فكانوا".
[24920]:- (3) في أ: "استمعوا".
[24921]:- تفسير الطبري (23/25).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِلَّا مَنۡ خَطِفَ ٱلۡخَطۡفَةَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ ثَاقِبٞ} (10)

وقوله : إلاّ مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ يقول : إلا من استرق السمع منهم فأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ يعني : مضيء متوقد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فأَتَبْعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ من نار وثقوبه : ضوؤه .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : شِهابٌ ثاقِبٌ قال : شهاب مضيء يحرقه حين يُرْمى به .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فأَتْبَعَهُ شِهابٌ قال : كان ابن عباس يقول : لا يقتلون الشهاب ، ولا يموتون ، ولكنها تحرقهم من غير قتل ، وتُخَبّل وتُخْدِج من غير قتل .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ قال : والثاقب : المستوقد قال : والرجل يقول : أَثْقِب نارك ، ويقول : استثقِب نارك ، استوقد نارك .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبيد الله ، قال : سُئل الضحاك ، هل للشياطين أجنحة ؟ فقال : كيف يطيرون إلى السماء إلا ولهم أجنحة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِلَّا مَنۡ خَطِفَ ٱلۡخَطۡفَةَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ ثَاقِبٞ} (10)

و{ من خطف الخطفة } مستثنى من ضمير { لا يسمعونَ } فهو في محل رفع على البدلية منه .

والخطف : ابتدار تناول شيء بسرعة ، و { الخطفة } المرة منه . فهو مفعول مطلق ل { خَطِفَ } لبيان عدد مرات المصدر ، أي خطفة واحدة ، وهو هنا مستعار للإِسراع بسمع ما يستطيعون سمعه من كلام غير تام كقوله تعالى : { يكاد البرق يخطف أبصارهم } في سورة [ البقرة : 20 ] .

وأتبعه بمعنى تبعه فهمزته لا تفيده تعدية ، وهي كهمزة أبان بمعنى بان .

والشهاب : القبس والجمر من النار . والمراد به هنا ما يُسمّى بالنيزك في اصطلاح علم الهيئة ، وتقدم في قوله : { فأتبعه شهاب مبين } في سورة [ الحجر : 18 ] .

( والثاقب : الخارق ، أي الذي يترك ثَقباً في الجسم الذي يصيبه ، أي ثاقب له . وعن ابن عباس : الشهاب لا يقتل الشيطان الذي يصيبه ولكنه يحترق ويَخْبِل ، أي يفسُد قِوامه فتزول خصائصه ، فإن لم يضمحل فإنه يصبح غير قادر على محاولة اسْتراق السمع مرة أخرى ، أي إلا من تمكّن من الدنوّ إلى محل يسمع فيه كلمات من كلمات الملأ الأعلى فيُردف بشهاب يثقبه فلا يرجع إلى حيث صدر ، وهذا من خصائص ما بعد البعثة المحمدية .

وقد تقدم الكلام على استراق السمع عند قوله تعالى : { وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم } في سورة [ الشعراء : 210 ، 211 ] .