تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّهُۥ لَيۡسَ لَهُۥ سُلۡطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (99)

فإن الشيطان : { لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ } ، أي : تسلط ، { عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ } ، وحده لا شريك له . { يَتَوَكَّلُونَ } ، فيدفع الله عن المؤمنين المتوكلين عليه شر الشيطان ، ولا يبق له عليهم سبيل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّهُۥ لَيۡسَ لَهُۥ سُلۡطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (99)

والمراد بقوله - تعالى -: { فَإِذَا قَرَأْتَ ?لْقُرْآنَ.. } أى فإذا أردت قراءته. فالكلام على حذف الإِرادة، وذلك لأن المعنى الذى طلبت من أجله الاستعاذة وهو دفع وسوسة الشيطان يقتضى أن يبدأ القارئ بها - أى بالاستعاذة - قبل القراءة لا بعدها وشبيه بهذه الآية فى حذف الإِرادة لدلالة المقام عليها قوله - تعالى -:

{ يَا أَيُّهَا ?لَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ?لصَّلاةِ ف?غْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ?لْمَرَافِقِ.. }

أى: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا.

وقوله - تعالى -: { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } أى: أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا.

والمعنى: فإذا أردت - أيها المسلم - قراءة القرآن { فاستعذ بالله } أى: فاستجر بالله، والتجئ إلى حماه { مِنَ ?لشَّيْطَانِ ?لرَّجِيمِ }.

قال ابن كثير: " والشيطان فى لغة العرب، كل متمرد من الجن والإِنس والدواب وكل شئ، وهو مشتق من شطن بمعنى بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر، وبعيد بفسقه عن كل خير... ".

والرجيم بزنة فعيل بمعنى مفعول. أى: أنه مرجوم ومطرود من رحمة الله - تعالى -.

قال بعض العلماء: وإنما خصت القراءة بطلب الاستعاذة، مع أنه قد أمر بها على وجه العموم فى جميع الشئون، لأن القرآن مصدر هداية، والشيطان مصدر ضلال، فهو يقف للإنسان بالمرصاد فى هذا الشأن على وجه خاص، فيثير أمامه ألوانا من الشكوك فيما يفيد من قراءته، وفيما يقصد بها، فيفوت عليه الانتفاع بهدى الله وآياته. فعلمنا الله - تعالى - أن نتقى ذلك كله بهذه الاستعاذة التى هى فى الواقع عنوان صادق، وتعبير حق، عن امتلاء قلب المؤمن بمعنى اللجوء إلى الله. وقوة عزيمته فى طرد الشيطان ووساوسه، واستقبال هدايته بقلب طاهر، وعقل واع وإيمان ثابت.

وكيفية الاستعاذة أن يقول القارئ عند إرادة قراءته للقرآن، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقد تضافرت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة.

قال الآلوسى. وروى الثعلبى والواحدى " أن ابن مسعود قرأ عن النبى صلى الله عليه وسلم فقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: " يابن أم عبد، قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هكذا أقرأنى جبريل.. " ".

وقال صاحب تفسير آيات الأحكام: والأمر بها - أى بالاستعاذة - للندب عند الجمهور.

وعن الثورى أنها واجبة. وظاهر الآية يؤيده، إذ الأمر للوجوب. والجمهور يقولون: إنه صرفها عن الوجوب ما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلمها للأعرابى - أى الذى سأله عن كيفية الصلاة - وأيضا فقد روى أنه كان صلى الله عليه وسلم يتركها.

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن وسوسة الشيطان لا أثر لها على المؤمنين الصادقين فقال - تعالى -: { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى? ?لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى? رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } أى: إن الشيطان مهما تمرد وعتا فإنه { لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ } أى: ليس له تسلط واستيلاء واستحواذ بالقهر والغلبة، على نفوس الذين آمنوا بالله - تعالى - حق الإِيمان والذين هم عليه - تعالى - وحده يتوكلون ويعتمدون لا على غيره.

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -:

{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ?تَّبَعَكَ مِنَ ?لْغَاوِينَ }

وقوله - تعالى -:

{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى? بِرَبِّكَ وَكِيلاً }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّهُۥ لَيۡسَ لَهُۥ سُلۡطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (99)

90

( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون )

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّهُۥ لَيۡسَ لَهُۥ سُلۡطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (99)

{ إنه ليس له سلطان } ، تسلط وولاية ، { على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون } ، على أولياء الله تعالى المؤمنين به والمتوكلين عليه ، فإنهم لا يطيعون أوامره ولا يقبلون وساوسه ، إلا فيما يحتقرون على ندور وغفلة ، ولذلك أمروا بالاستعاذة ، فذكر السلطنة بعد الأمر بالاستعاذة ؛ لئلا يتوهم منه أن له سلطانا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّهُۥ لَيۡسَ لَهُۥ سُلۡطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (99)

جملة { إنه ليس له سلطان } الآية تعليل للأمر بالاستعاذة من الشيطان عند إرادة قراءة القرآن وبيان لصفة الاستعاذة .

فأما كونها تعليلاً فلزيادة الحثّ على الامتثال للأمر بأن الاستعاذة تمنع تسلّط الشيطان على المستعيذ لأن الله منعه من التسلّط على الذين آمنوا المتوكّلين ، والاستعاذة منه شعبة من شعب التوكّل على الله لأن اللّجأ إليه توكّل عليه . وفي الإعلام بالعلّة تنشيط للمأمور بالفعل على الامتثال إذ يصير عالماً بالحكمة وأما كونها بياناً فلما تضمّنته من ذكر التوكّل على الله ليبيّن أن الاستعاذة إعراب عن التوَكّل على الله تعالى لدفع سلطان الشيْطان ليعقد المستعيذُ نيّتَه على ذلك .

وليست الاستعاذة مجرّد قول بدون استحضار نيّة العَوذ بالله .

فجملة { وعلى ربهم يتوكلون } صفة ثانية للموصول . وقدّم المجرور على الفعل للقصر ، أي لا يتوكّلون إلا على ربّهم . وجعل فعلها مضارعاً لإفاة تجدّد التوكّل واستمراره . فنَفي سلطان الشيطان مشروط بالأمرين : الإيمان ، والتوكّل . ومن هذا تفسير لقوله تعالى في الآية الأخرى { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } [ سورة الحجر : 42 ] .

والسّلطان : مصدر بوزن الغُفران ، وهو التسلّط والتصرّف المكين .

فالمعنى أن الإيمان مبدأ أصيل لتوهين سلطان الشيطان في نفس المؤمن فإذا انضمّ إليه التوكّل على الله اندفع سلطان الشيطان عن المؤمن المتوكّل .