تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضۡلِهِۦ بَخِلُواْ بِهِۦ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ} (76)

{ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } لم يفوا بما قالوا ، بل { بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا } عن الطاعة والانقياد { وَهُمْ مُعْرِضُونَ } أي : غير ملتفتين إلى الخير .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضۡلِهِۦ بَخِلُواْ بِهِۦ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ} (76)

وقوله : { فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ } . . بيان لموقفهم الجحودى من عطاء الله وكرمه .

أى : فلما أعطى الله - تعالى - من فضله هؤلاء المنافقين ما منوه من مال وفير " بخلوا به " أى : بخلوا بهذا المال ، فلم ينفقوا منه شيئا في وجوهه المشروعة ، ولم يعترفوا فيه بحققو الله أو حقوق الناس ، ولم يكتفوا بذلك بل { وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } .

أى : أدبروا عن طاعة الله وعن فعل الخير ، وهم قوم دأبهم التولى عن سماع الحق ، وشأنهم الانقياد للهوى والشيطان .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضۡلِهِۦ بَخِلُواْ بِهِۦ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ} (76)

( فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ )

فلما أن استجاب اللّه له ورزقه من فضله نسي عهده ، وتنكر لوعده ، وأدركه الشح والبخل فقبض يده ، وتولى معرضاً عن الوفاء بما عاهد . فكان هذا النكث بالعهد مع الكذب على اللّه فيه سبباً في التمكين للنفاق في قلبه ، والموت مع هذا النفاق ، ولقاء اللّه به .

والنفس البشرية ضعيفة شحيحة ، إلا من عصم اللّه ؛ ولا تطهر من هذا الشح إلا أن تعمر بالإيمان ، وترتفع على ضرورات الأرض ، وتنطلق من قيود الحرص على النفع القريب ، لأنها تؤمل في خلف أعظم ، وتؤمل في رضوان من اللّه أكبر . والقلب المؤمن يطمئن بالإيمان ، فلا يخشى الفقر بسبب الإنفاق ، لأنه يثق بأن ما عند الناس ينفد وما عند اللّه باق . وهذا الاطمئنان يدفع به إلى إنفاق المال في سبيل اللّه تطوعاً ورضى وتطهراً ، وهو آمن مغبته . فحتى لو فقد المال وافتقر منه ، فإن له عوضاً أعظم عند اللّه .

فأما حين يقفر القلب من الإيمان الصحيح ، فالشح الفطري يهيج في نفسه كلما دعي إلى نفقة أو صدقة ، والخوف من الفقر يتراءى له فيقعد به عن البذل . ثم يبقى سجين شحه وخوفه بلا أمن ولا قرار .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضۡلِهِۦ بَخِلُواْ بِهِۦ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ} (76)

{ فلما آتاهم من فضله بخلوا به } منعوا حق الله منه . { وتولّوا } عن طاعة الله . { وهم معرضون } وهم قوم عادتهم الإعراض عنها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضۡلِهِۦ بَخِلُواْ بِهِۦ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ} (76)

هذه الآية نزلت في ثعلبة بن حاطب الأنصاري ، وقال الحسن : وفي معتب بن قشير معه ، واختصار ما ذكره الطبري وغيره من أمره «أنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعل لي مالاً فإني لو كنت ذا مال لقضيب حقوقه وفعلت فيه الخير ، فراده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ، فعاود فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ألا تريد أن تكون مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو دعوت الله أن يسير الجبال معي ذهباً لسارت ، فأعاد عليه حتى دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود حتى ضاقت به المدينة ، فتنحى عنها وكثرت غنمه ، فكان لا يصلي إلا الجمعة ثم كثرت حتى تنحى بعيداً ونجم نفاقه ، ونزل خلال ذلك فرض الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث مصدقين بكتابه في أخذ زكاة الغنم ، فلما بلغوا ثعلبة وقرأ الكتاب قال : هذه أخت الجزية ، ثم قال لهم : دعوني حتى أرى رأيي ، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه ، قال » ويح ثعلبة «ثلاثاً ، ونزلت الآية فيه ، فحضر القصة قريب لثعلبة فخرج إليه فقال أدرك أمرك ، فقد نزل كذا وكذا ، فخرج ثعلبة حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرغب أن يؤدي زكاته فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال إن أمرني الله أن لا آخذ زكاتك » ، فبقي كذلك حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ورد ثعلبة على أبي بكر ثم على عمر ثم على عثمان يرغب إلى كل واحد منهم أن يأخذ منه الزكاة ، فكلهم رد ذلك وأباه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبقي ثعلبة كذلك حتى هلك في مدة عثمان{[5794]} .


[5794]:- أخرجه الحسن بن سفيان، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والعسكري في الأمثال، والطبراني، وابن منده، والبارودي، وأبو نعيم في معرفة الصحابة، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه. (الدر المنثور- وفتح القدير).

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضۡلِهِۦ بَخِلُواْ بِهِۦ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ} (76)

قيل : نزلت في ثعلبة بن حاطب من المنافقين سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بسعة الرزق فدعا له فأثرى إثرَاءً كثيراً فلمّا جاءه المصدّقون ليعطي زكاة أنعامه امتنع من ذلك ثم ندم فجاء بصدقته فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبلها منه . وذكروا من قصته أنّه تاب ولكن لم تقبل صدقته في زمن النبي ولا في زمن الخلفاء الثلاثة بعده عقوبة له وإظهاراً للاستغناء عنه حتّى مات في خلافة عثمان ، وقد قيل : إنّ قائل ذلك هو معتِّب بن قشير ، وعلى هذا فضمائر الجمع في لنصدّقنّ وما بعده مراد بها واحد وإنّما نسبت الفعل إلى جماعة المنافقين على طريقة العرب في إلصاق فعل الواحد بقبيلته . ويحتمل أنّ ثعلبة سأل ذلك فتبعه بعض أصحابه مثل معتب بن قشير فأوتي مثل ما أوتي ثعلبة وبخل مثل ما بخل وإن لم تجىء فيه قصة كما تقدّم آنفاً .

وجملة { لنصدقن } بيان لجملة { عاهد الله } وفعل { لنصدقن } أصله لنتصدقن فأدغم للتخفيف .

والإعراض : إعراضهم عن عهدهم وعن شكر نعمة ربّهم .