الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُم مِّن فَضۡلِهِۦ بَخِلُواْ بِهِۦ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ} (76)

وقوله سبحانه : { وَمِنْهُم مَّنْ عاهد الله لَئِنْ ءاتانا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } [ التوبة : 75 ] .

هذه الآية نزلَتْ في ثَعْلَبَةَ بْنِ حاطب الأنصاريِّ ، قال الحسن : وفي مُعَتِّبِ بنِ قُشَيرٍ معه ، واختصار ما ذكره الطبريُّ وغيره مِنْ أمره : أنه جاء إِلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادع اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي مَالاً ، فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ ذَا مَالٍ ، لَقَضَيْتُ حُقُوقَهُ ، وَفَعَلْتُ فِيهِ الخَيْرَ ، فَرَادَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ : ( قَلِيلٌ تُؤَدِّي شُكْرَهُ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لاَ تُطِيقُهُ ) فَعَاوَدَ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( أَلاَ تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ رَسُولِ اللَّهِ ، وَلَوْ دَعَوْتُ اللَّه أَنْ يُسَيِّرَ الجِبَالَ مَعِي ذَهَباً ، لَسَارَتْ ) ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ حَتَّى دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ ، فاتخذ غَنَماً ، فَنَمَتْ كَمَا يَنْمُو الدُّودُ ؛ حتى ضاقَتْ به المدينةُ ، فتنحَّى عنها ، وكَثُرت غنمه ، حتَّى كان لا يُصَلِّي إِلا الجُمُعَةَ ، ثم كَثُرَتْ حتى تَنَحَّى بعيداً ، فترك الصَّلاَة ، وَنَجَمَ نِفَاقه ، وَنَزَلَ خلال ذلك فَرْضُ الزكاةِ ، فبعَث النبيُّ صلى الله عليه وسلم مُصَدِّقِينَ بكتابه في أخْذ زكاة الغَنَمِ ، فلما بلغوا ثَعْلَبَةَ ، وقرأ الكِتَابَ ، قالَ : هَذِهِ أُخْتُ الجِزْيَةِ ، ثم قال لهم : دَعُونِي حَتى أَرَى رَأْيي ، فلما أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وأَخْبَروه ، قال : ( وَيْح ثَعْلَبَة ) ثَلاَثاً ، ونزلَتْ الآية فيه ، فحضر القصَّةَ قريبٌ لثعلبة ، فخرج إِليه ، فقال : أَدْرِكْ أَمرك ، فقد نَزَلَ فيك كذا وكذا ، فخرج ثعلبة حتى أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فَرَغِبَ أَنْ يؤدِّي زكاتَهُ ، فأعرض عنه رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وقال : ( إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَلاَّ آخُذَ زَكَاتَكَ ) ، فبقي كذلك حَتَّى تُوُفِّي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، ثم وَرَدَ ثَعلبةُ على أبي بَكْر ، ثم على عمر ، ثم على عثمان ، يرغَبُ إِلى كلِّ واحد منهم أنْ يأخذ منه الزكاةَ ، فكلُّهم رَدَّ ذلك وأباه ؛ اقتداء بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فبقي ثعلبةُ كذلك حتى هَلَكَ في مدَّة عثمان .