ومما لا شك فيه أن كلا الأمرين لم يتحققا بالنسبة له ، فهو لم يطلع على الغيب ، ولم يتخذ عند الله عهدا ، فثبت كذبه وافتراؤه ، ولذا كذبه الله - تعالى - بقوله { كَلاَّ } وهو قول يفيد الزجر والردع والنفى .
أى : كلا لم يطلع على الغيب ، ولم يتخذ عند الرحمن عهدا . بل قال ذلك افتراء على الله .
وقوله - سبحانه - : { سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدّاً وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً } بيان للمصير السيىء الذى سيصير إليه هذا الشقى وأمثاله ، و { وَنَمُدُّ } من المد وأكثر ما يستعمل فى المكروه .
أى : سنسجل على هذا الكافر ما قاله ، ونحاسبه عليه حسابا عسيرا ، ونزيده عذابا فوق العذاب المعد له ، بأن نضاعفه له ؛ ونطيله عليه { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } أى : ما يقول إنه يؤتاه يوم القيامة من المال والولد ، بأن نسلبه منه ، ونجعله يخرج من هذه الدنيا خالى الوفاض منهما ، وليس معه فى قبره سوى كفنه ، { وَيَأْتِينَا فَرْداً } أى : ويأتينا يوم القيامة بعد مبعثه منفردا بدون مال أو ولد أو خدم أو غير ذلك مما كان يتفاخر به فى الدنيا هو وأشباهه من المغرورين الجاحدين .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف قيل : سنتكب بسين التسويف وهو كما قاله كتبه من غير تأخير قال - تعالى : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } قلت : فيه وجهان : أحدهما : سنظهر له ونعلمه أنا كتبنا قوله على طريقة قول الشاعر :
إذا ما انتسبنا لم تلدنى لئيمة . . . ولم تجدى من أن تقرى بها بدا
أى : تبين وعلم بالانتساب أنى لم تلدنى لئيمة .
والثانى : أن المتوعد يقول للجانى : سوف أنتقم منك ، يعنى أنه لا يخل بالانتصار وإن تطاول به الزمان واستأخر ، فجرد ها هنا لمعنى الوعيد . . .
ويستمر السياق في التهديد على طريقة التصوير أيضا : ( ونرثه ما يقول )أي نأخذ ما يخلفه مما يتحدث عنه من مال وولد كما يفعل الوارث بعد موت المورث ! ( ويأتينا فردا )لا مال معه ولا ولد ولا نصير له ولا سند ، مجردا ضعيفا وحيدا فريدا .
فهل رأيت إلى هذا الذي كفر بآيات الله وهو يحيل على يوم لا يملك فيه شيئا ? يوم يجرد من كل ما يملك في هذه الدنيا ? إنه نموذج من نماذج الكفار . نموذج الكفر والادعاء والاستهتار . .
{ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } أي : من مال وولد ، نسلبه منه ، عكس ما قال : إنه يُؤْتى في الدار الآخرة مالا وولدا ، زيادة على الذي له في الدنيا ؛ بل في الآخرة يُسلَب من الذي كان له في الدنيا ، ولهذا قال : { وَيَأْتِينَا فَرْدًا } أي : من المال والولد .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } ، [ قال : نرثه ]{[19124]}
وقال مجاهد : { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } : ماله وولده ، وذلك الذي قال العاص بن وائل .
وقال عبد الرزاق ، عن مُعْمَر ، عن قتادة : { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } قال : ما عنده ، وهو قوله : { لأوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا } وفي حرف ابن مسعود : " ونرثه ما عنده " .
وقال قتادة : { وَيَأْتِينَا فَرْدًا } : لا مال له ، ولا ولد .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ } قال : ما جمع من الدنيا ، وما عمل فيها ، قال : { وَيَأْتِينَا فَرْدًا } قال : فردًا من ذلك ، لا يتبعه قليل ولا كثير .
الإرث : مستعمل مجازاً في السلب والأخذ ، أو كناية عن لازمه وهو الهلاك . والمقصود : تذكيره بالموت ، أو تهديده بقرب هلاكه .
ومعنى إرث أولاده أنهم يصيرون مسلمين فيدخلون في حزب الله ، فإن العاصي وَلدَ عمَرْاً الصحابي الجليل وهشاماً الصحابي الشهيد يوم أجنادين ، فهنا بشارة للنبيء صلى الله عليه وسلم ونكاية وكمد للعاصي بن وائل .
والفرد : الذي ليس معه ما يصير به عدداً ، إشارة إلى أنّه يحشر كافراً وحده دون ولده ، ولا مال له ، و { فرداً } حال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.