{ عسى رَبُّنَآ } بفضله وإحسانه { أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ } أى : أن يعطينا ما هو خير منها { إِنَّآ إلى رَبِّنَا } لا إلى غيره { رَاغِبُونَ } أى : راغبون فى عطائه ، راجعون إليه بالتوبة والندم . .
قال الآلوسى : قال مجاهد : إنهم تابوا فأبدلهم الله - تعالى - خيرا منها . وحكى عن الحسن : التوقف وسئل قتادة عنهم : أهم من أهل الجنة أم من أهل النار ؟ فقال للسائل : لقد كلفتنى تعبا . .
{ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ } قيل : رغبوا في بذلها لهم في الدنيا . وقيل : احتسبوا ثوابها في الدار الآخرة ، والله أعلم .
ثم قد ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد كانوا من أهل اليمن - قال سعيد بن جبير : كانوا من قرية يقال لها ضروان{[29196]} على ستة أميال من صنعاء . وقيل : كانوا من أهل الحبشة - وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة ، وكانوا من أهل الكتاب ، وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة ، فكان ما استغله منها يرد فيها ما يحتاج إليها ويدّخر لعياله قوت سنتهم ، ويتصدق بالفاضل . فلما مات ورثه بنوه ، قالوا : لقد كان أبونا أحمقَ إذ كان يصرف من هذه شيئًا للفقراء ، ولو أنَّا منعناهم لتوفر ذلك علينا . فلما عزموا على ذلك عُوقِبوا بنقيض قصدهم ، فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية ، رأس المال الربح والصدقة ، فلم يبق لهم شيء .
القول في تأويل قوله تعالى : { عَسَىَ رَبّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مّنْهَآ إِنّآ إِلَىَ رَبّنَا رَاغِبُونَ * كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل أصحاب الجنة : عَسَى رَبّنا أنْ يُبْدِلَنا خَيْرا مِنْها بتوبتنا من خطأ فعلنا الذي سبق منا خيرا من جنتنا إنّا إلى رَبّنا رَاغِبُونَ يقول : إنا إلى ربنا راغبون في أن يبدلنا من جنتنا إذ هلَكت خيرا منها .
وجملة { إنا إلى ربّنا راغبون } بدل من جملة الرجاء ، أي هو رجاء مشتمل على رغبة إليه بالقبول والاستجابة .
والتأكيد في { إنا إلى ربّنا راغبون } للاهتمام بهذا التوجه .
والمقصود من الإِطناب في قولهم بعد حلول العذاب بهم تلقين الذين ضرب لهم هذا المثل بأن في مكنتهم الإِنابة إلى الله بنبذ الكفران لنعمته إذ أشركوا به من لا إنعام لهم عليه .
روي عن ابن مسعود أنه قال : بلغني أنهم أخلصوا وعرف الله منهم الصدقَ فأبدلهم جنة يقال لها : الحَيَوان ، ذات عنب يُحمَل العنقودُ الواحد منه على بغل .
وعن أبي خالد اليماني أنه قال : دخلت تلك الجنة فرأيت كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم .
وقرأ الجمهور { أن يبْدِلنا } بسكون الموحدة وتخفيف الدال . وقرأه نافع وأبو عمرو وأبو جعفر { يُبَدِّلَنا } بفتح الموحدة وتشديد الدال وهما بمعنى واحد .
قال ابن الفرس في « أحكام القرآن » : استدل بهذه الآية أبو محمد عبد الوهاب على أن من تعمد إلى نقص النصاب قبل الحول قصداً للفرار من الزكاة أو خالط غيره ، أو فارقه بعد الخلطة فإن ذلك لا يسقط الزكاة عنه خلافاً للشافعي .
ووجه الاستدلال بالآية أن أصحاب الجنة قصدوا بجذ الثمار إسقاط حق المساكين فعاقبهم الله بإتلاف ثمارهم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
قالوا: {عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها} يعني خيرا من جنتنا التي هلكت.
{إنا إلى ربنا راغبون} في الدعاء إليه...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل أصحاب الجنة:"عَسَى رَبّنا أنْ يُبْدِلَنا خَيْرا مِنْها "بتوبتنا من خطأ فعلنا الذي سبق منا خيرا من جنتنا.
" إنّا إلى رَبّنا رَاغِبُونَ": إنا إلى ربنا راغبون في أن يبدلنا من جنتنا إذ هلَكت خيرا منها.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي يبدلنا خيرا منها إذا تبنا، وأنبنا إلى ربنا، لأنه لا يجوز أن يتوقعوا خيرا منها، وهم مصرون على ذنوبهم؛ إذ قد عرفوا أنهم إنما حرموا بركة الثمار بما ارتكبوا من الذنوب، فثبت أن معناه ما ذكرنا.
ويحتمل أن يكون هذا في الآخرة؛ يقولون: {عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها} في الآخرة إذا تبنا وأنبنا إلى ربنا، والله أعلم.
{إنا إلى ربنا راغبون} إلى ما عند ربنا من العطايا والمنن لراغبون، أو إلى ما وعد ربنا للتائبين من الذنوب لراغبون...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{إلى رَبّنَا راغبون} طالبون منه الخير، راجون لعفوه...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم انصرفوا إلى رجاء الله تعالى، وانتظار الفرج من لدنه في أن يبدلهم بسبب توبتهم خيراً من تلك الجنة...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما قدموا ما هو أنفع لهم من اللوم المتقضي لإجماعهم على التوبة فعلم بذلك الندم الذي هو أمارة التوبة، استأنفوا جواباً لمن سأل: هل اقتصروا على التلاوم؟ قولهم: {عسى} أي يمكن أن يكون وهو جدير وخليق بأن يكون {ربنا} أي الذي أحسن إلينا بتربية هذه الجنة وبإهلاك ثمرها الآن تأديباً لنا {أن يبدلنا} أي من جنتنا شيئاً {خيراً منها} يقيم لنا أمر معاشنا فتنقلب أحوالنا هذه التي نحن فيها من الهموم والبذاذة بسرور ولذاذة بما أفاده إيقاع الفعل على ضميرهم... وإنما تعلق رجاؤنا بسبب توبتنا وعلمنا بأن ربنا قادر على ما يريد، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.
ولما دل هذا الدعاء على إقبالهم على الله وحده صرحوا وأكدوا لأن حالهم الأول كان حال من ينكر منه مثل ذلك فقالوا معللين: {إنا}.
ولما كان المقام للتوبة والرجوع عن الحوبة، عبروا بأداة الانتهاء إشارة إلى بعدهم عن الحضرات الربانية تأدباً منهم فقالوا: {إلى ربنا} أي المحسن إلينا والمربي لنا بالإيجاد ثم الإبقاء خاصة لا إلى غيره سبحانه {راغبون *} أي ثابتة رغبتنا ورجاؤنا الخير والإكرام بعد العفو...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
عسى أن يغفر الله لهم، ويعوضهم من الجنة الضائعة على مذبح البطر والمنع والكيد والتدبير: (عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون)..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمقصود من الإِطناب في قولهم بعد حلول العذاب بهم، تلقين الذين ضرب لهم هذا المثل بأن في مكنتهم الإِنابة إلى الله بنبذ الكفران لنعمته إذ أشركوا به من لا إنعام لهم عليه.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{عَسَى رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ} وهو قادر على كل شيء، الرحيم بعباده الراغبين إليه الراجعين إليه بعد طول هروب منه، وانحراف عن خط هداه، فإن الذي أعطانا الجنة ثم أخذها منا بعد أن كفرنا، قادرٌ على أن يبدلنا خيراً منها بعد أن شكرنا وآمنا به.
{إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ}، ولا نرغب في سواه، لأنه وحده المدبّر لأمور عباده، المهيمن على الأمر كله...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
والسؤال المطروح هنا: هل إنّ هؤلاء ندموا على العمل الذي أقدموا عليه، وقرّروا إعادة النظر في برامجهم المستقبلية، وإذا شملتهم النعمة الإلهية مستقبلا فسيؤدّون حقّ شكرها؟ أم أنّهم وبّخوا أنفسهم وكثر اللوم بينهم بصورة موقتة، شأنهم شأن الكثير من الظالمين الذين يشتدّ ندمهم وقت حلول العذاب، وما إن يزول الضرّ الذي حاق بهم إلاّ ونراهم يعودون إلى ما كانوا عليه سابقاً من ممارسات مريضة؟