إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبۡدِلَنَا خَيۡرٗا مِّنۡهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَٰغِبُونَ} (32)

{ عسى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا } وقُرِئَ بالتشديدِ أي يُعطينا بدلاً منها ببركةِ التوبةِ والاعترافِ بالخطيئةِ . { خَيْراً منْهَا إِنَّا إلى رَبّنَا راغبون } راجونَ العفوَ طالبونَ الخيرَ . وإلى انتهاءِ الرغبةِ ، أو لضمنِهَا مَعْنَى الرجوعِ . عن مُجَاهدٍ تابوا فأُبدِلُوا خَيراً منهَا ، ورُويَ أنَّهم تعاقَدُوا وقالُوا إنْ أبدلنَا الله خيراً منها لنصنعنَّ كما صنعَ أبُونا فدَعَوا الله تعالَى وتضرعُوا إليهِ فأبدَلهُم الله تعالَى من ليلتِهِم ما هو خيرٌ منها ، قالُوا إنَّ الله تعالَى أمرَ جبريلَ عليهِ السَّلامُ أنْ يقتلعَ تلكَ الجنةَ المحترقةَ فيجعلَهَا بِزُغَرَ من أرضِ الشامِ ويأخذَ من الشامِ جنةً فيجعلَهَا مكانَهَا ، وقالَ ابنُ مسعودٍ رضيَ الله تعالَى عنهُ إنَّ القومَ لمَّا أخلصُوا وعرفَ الله منهُم الصدقَ أبدلَهُم جنةً يقالُ لها الحيوانُ فيها عنبٌ يحملُ البغلُ منهُ عُنقوداً وقالَ أبُو خالدٍ اليمانيُّ دخلتُ تلكَ الجنَّةَ فرأيتُ كلَّ عنقودٍ منهَا كالرجلِ الأسودِ القائمِ . وسُئِلَ قَتَادَةُ عن أصحابِ الجنَّةِ أهُم مِنْ أهلِ الجنَّةِ أم مِنْ أهلِ النارِ فقالَ : لقد كلفتني تعباً . وعنِ الحسنِ رحمَهُ الله تعالَى : قولُ أصحابِ الجنةِ إنَّا إلى ربِّنا راغبون لا أدرِي إيماناً كانَ ذلكَ منهُم أو على حدِّ ما يكونُ من المشركينَ إذا أصابتْهُم الشدةُ ، فتوقفَ في أمرِهِم ، والأكثرونَ على أنَّهُم تابُوا وأخلصُوا ، حكاهُ القُشَيريٌّ .