اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبۡدِلَنَا خَيۡرٗا مِّنۡهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَٰغِبُونَ} (32)

فلم نشكرهَا كما شكرها آباؤنا من قبل { عسى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا } تعاقدوا وقالوا : إن أبدلنا الله خيراً منها لنصنعنّ كما صنع آباؤنا فدعوا الله وتضرعوا فأبدلهم الله من ليلتهم ما هو خير منها .

قرئ{[57644]} : «يبدلنا » بالتخفيف والتشديد ، وهما لغتانِ .

وقيل : التبديلُ تغير الشيء ، أو تغير حاله وعين الشيء قائم ، والإبدال رفع الشيء ووضع آخر مكانه ، ثم قال : { إِنَّا إلى رَبِّنَا رَاغِبُونَ } أي : طالبون منه الخير راجعون لعفوه .

قال المفسرون : إن الله أمر جبريل عليه السلام أن يقتلع تلك الجنة ، بزغر من أرض الشام ، ويأخذ من أرض الشام جنة ، فيجعلها مكانها .

وقال ابن مسعود : إن القوم لما أخلصوا وعرف الله منهم صدقهم أبدلهم اللَّهُ جنة يقال لها : الخيوان فيها عنب يحمل البغل منها عنقوداً واحداً{[57645]} .

وقال أبو خالد اليماني : دخلت تلك الجنة ، فرأيت كُلَّ عنقودٍ منها كالرَّجلِ الأسودِ القائمِ .

وقال الحسنُ : قول أهل الجنة : { إِنَّا إلى رَبِّنَا رَاغِبُونَ } لا أدري إيماناً كان ذلك منهم ، أو على حد ما يكون من المشركين إذا أصابهم الشدة . فتوقف في كونهم مؤمنين{[57646]} .

وسئل قتادةُ عن أهل الجنَّة ، أهم من أهل الجنَّة أم من أهل النَّارِ ؟ .

قال : لقد كلفتني تعباً{[57647]} .

والأكثرون يقولون : إنهم تابوا وأخلصوا . حكاه القشيري .


[57644]:ينظر: الكشاف 4/592، والمحرر الوجيز 5/35، وقال ابن عطية: وقرأ "يبدلنا" بسكون الباء وتخفيف الدال جمهور القراء والحسن وابن محيصن والأعمش، وقرأ نافع وأبو عمرو بالتثقيل وفتح الباء.
[57645]:ذكره البغوي في "تفسيره" (4/381).
[57646]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (28/160).
[57647]:ينظر المصدر السابق.