تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَمَعَ مَالٗا وَعَدَّدَهُۥ} (2)

ومن صفة هذا الهماز اللماز أنه لا هم له سوى جمع المال ، وتعديده ، والغبطة به ، وليس له رغبة في إنفاقه في طرق الخيرات ، وصلة الأرحام ، ونحو ذلك .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَمَعَ مَالٗا وَعَدَّدَهُۥ} (2)

وقوله - سبحانه - : { الذى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ } زيادة تشنيع وتقبيح للهمزة اللمزة

ومعنى " عدده " : جعله عدته وذخيرته ، وأكثر من عده وإحصائه لحرصه عليه ، والجملة الكريمة فى محل نصب على الذم .

أى : عذاب وهلاك لكل إنسان مكثر من الطعن فى أعراض الناس ، ومن صفاته الذميمة أنه فعل ذلك بسبب أنه جمع مالا كثيرا ، وأنفق الأوقات الطويلة فى عده مرة بعد أخرى ، حبا له وشغفا به وتوهما منه أن هذا المال الكثير هو مناط التفاضل بين الناس .

وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائى { جمَّع } - بتشديد الميم - وهو مبالغة فى { جمع } بتخفيف الميم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَمَعَ مَالٗا وَعَدَّدَهُۥ} (2)

سورة الهمزة مكية وآياتها تسع

تعكس هذه السورة صورة من الصور الواقعية في حياة الدعوة في عهدها الأول . وهي في الوقت ذاته نموذج يتكرر في كل بيئة . . صورة اللئيم الصغير النفس ، الذي يؤتى المال فتسيطر نفسه به ، حتى ما يطيق نفسه ! ويروح يشعر أن المال هو القيمة العليا في الحياة . القيمة التي تهون أمامها جميع القيم وجميع الأقدار : أقدار الناس . وأقدار المعاني . وأقدار الحقائق . وأنه وقد ملك المال فقد ملك كرامات الناس وأقدارهم بلا حساب !

كما يروح يحسب أن هذا المال إله قادر على كل شيء ؛ لا يعجز عن فعل شيء ! حتى دفع الموت وتخليد الحياة . ودفع قضاء الله وحسابه وجزائه إن كان هناك في نظره حساب وجزاء !

ومن ثم ينطلق في هوس بهذا المال يعده ويستلذ تعداده ؛ وتنطلق في كيانه نفخة فاجرة ، تدفعه إلى الاستهانة بأقدار الناس وكراماتهم . ولمزهم وهمزهم . . يعيبهم بلسانه ويسخر منهم بحركاته . سواء بحكاية حركاتهم وأصواتهم ، أو بتحقير صفاتهم وسماتهم . . بالقول والإشارة . بالغمز واللمز . باللفتة الساخرة والحركة الهازئة !

وهي صورة لئيمة حقيرة من صور النفس البشرية حين تخلو من المروءة وتعرى من الإيمان . والإسلام يكره هذه الصورة الهابطة من صور النفوس بحكم ترفعه الأخلاقي . وقد نهى عن السخرية واللمز والعيب في مواضع شتى . إلا أن ذكرها هنا بهذا التشنيع والتقبيح مع الوعيد والتهديد ، يوحي بأنه كان يواجه حالة واقعية من بعض المشركين تجاه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وتجاه المؤمنين . . فجاء الرد عليها في صورة الردع الشديد ، والتهديد الرعيب . وقد وردت روايات بتعيين بعض الشخصيات . ولكنها ليست وثيقة . فنكتفي نحن بما قررناه عنها . .

والتهديد يجيء في صورة مشهد من مشاهد القيامة يمثل صورة للعذاب مادية ونفسية ، وصورة للنار حسية ومعنوية . وقد لوحظ فيها التقابل بين الجرم وطريقة الجزاء وجو العقاب . فصورة الهمزة اللمزة ، الذي يدأب على الهزء بالناس وعلى لمزهم في أنفسهم وأعراضهم ، وهو يجمع المال فيظنه كفيلا بالخلود ! صورة هذا المتعالي الساخر المستقوي بالمال ، تقابلها صورة " المنبوذ " المهمل المتردي في( الحطمة )التي تحطم كل ما يلقى إليها ، فتحطم كيانه وكبرياءه . وهي( نار الله الموقدة )وإضافتها لله وتخصيصها هكذا يوحي بأنها نار فذة ، غير معهودة ، ويخلع عليها رهبة مفزعة رعيبة .

وهي( تطلع )على فؤاده الذي ينبعث منه الهمز واللمز ، وتكمن فيه السخرية والكبرياء والغرور . . وتكملة لصورة المحطم المنبوذ المهمل . . هذه النار مغلقة عليه ، لا ينقذه منها أحد ، ولا يسأل عنه فيها أحد ! وهو موثق فيها إلى عمود كما توثق البهائم بلا احترام ! وفي جرس الألفاظ تشديد : عدده . كلا . لينبذن . تطلع . ممددة وفي معاني العبارات توكيد بشتى أساليب التوكيد : ( لينبذن في الحطمة . وما أدراك ما الحطمة ? نار الله الموقدة . . )فهذا الإجمال والإبهام . ثم سؤال الاستهوال . ثم الإجابة والبيان . . كلها من أساليب التوكيد والتضخيم . . وفي التعبير تهديد ( ويل . لينبذن . الحطمة . . . نار الله الموقدة . التي تطلع على الأفئدة . إنها عليهم مؤصدة . في عمد ممددة ) . .

وفي ذلك كله لون من التناسق التصويري والشعوري يتفق مع فعلة( الهمزة اللمزة ) !

لقد كان القرآن يتابع أحداث الدعوة ويقودها في الوقت ذاته . وكان هو السلاح البتار الصاعق الذي يدمر كيد الكائدين ، ويزلزل قلوب الأعداء ويثبت أرواح المؤمنين .

وإنا لنرى في عناية الله سبحانه بالرد على هذه الصورة معنيين كبيرين :

الأول : تقبيح الهبوط الأخلاقي وتبشيع هذه الصورة الهابطة من النفوس .

والثاني : المنافحة عن المؤمنين وحفظ نفوسهم من أن تتسرب إليها مهانة الإهانة ، وإشعارهم بأن الله يرى ما يقع لهم ، ويكرهه ، ويعاقب عليه . . وفي هذا كفاية لرفع أرواحهم واستعلائها على الكيد اللئيم . . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَمَعَ مَالٗا وَعَدَّدَهُۥ} (2)

وقوله : { الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ } أي : جمعه{[30509]} بعضه على بعض ، وأحصى عدده كقوله : { وَجَمَعَ فَأَوْعَى } [ المعارج : 18 ] قاله السدي ، وابن جرير .

وقال محمد بن كعب في قوله : { جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ } ألهاه ماله بالنهار ، هذا إلى{[30510]} هذا ، فإذا كان الليل ، نام كأنه جيفة .


[30509]:- (3) في م: "أي جمع".
[30510]:- (4) في م: "في".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَمَعَ مَالٗا وَعَدَّدَهُۥ} (2)

وقوله : { الّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدّدَهُ } يقول : الذي جمع مالاً وأحصى عدده ، ولم ينفقه في سبيل الله ، ولم يؤدّ حقّ الله فيه ، ولكنه جمعه فأوعاه وحفظه .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه من قرّاء أهل المدينة أبو جعفر ، وعامة قرّاء الكوفة سوى عاصم : «جَمّع » بالتشديد ، وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والحجاز ، سوى أبي جعفر وعامة قرّاء البصرة ، ومن الكوفة عاصم ، «جَمَع » بالتخفيف ، وكلهم مجمعون على تشديد الدال من عَدّدَهُ ، على الوجه الذي ذكرت من تأويله . وقد ذُكر عن بعض المتقدّمين بإسناد غير ثابت ، أنه قرأه : «جَمَعَ مالاً وَعَدَدَهُ » بتخفيف الدال ، بمعنى : جمع مالاً ، وجمع عشيرته وعَدَدَه . هذه قراءة لا أستجيز القراءة بها ، بخلافِها قراءة الأمصار ، وخروجِها عما عليه الحجة مجمعة في ذلك .

وأما قوله : { جَمَعَ مالاً } فإن التشديد والتخفيف فيهما صوابان ؛ لأنهما قراءتان معروفتان في قَرَأَة الأمصار ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَمَعَ مَالٗا وَعَدَّدَهُۥ} (2)

وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي والحسن وأبو جعفر : «جمّع » بشدة الميم ، والباقون بالتخفيف ، وقوله { وعدده } معناه : أحصاه وحافظ على عدده وأن لا ينتقص ، فمنعه من الخيرات ونفقة البر . وقال مقاتل : المعنى استعده وذخره . وقرأ الحسن : «وعدَدَه » بتخفيف الدالين ، فقيل : المعنى جمع مالاً وعدداً من عشرة ، وقيل : أراد عدداً مشدداً ، فحل التضعيف ، وهذا قلق .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِي جَمَعَ مَالٗا وَعَدَّدَهُۥ} (2)

وأتبع { الذي جمع مالاً وعدده } لزيادة تشنيع صفتيه الذميمتين بصفة الحرص على المال . وإنما ينشأ ذلك عن بخل النفس والتخوف من الفقر ، والمقصود من ذلك دخول أولئك الذين عُرفوا بهمز المسلمين ولمزهم الذين قيل إنهم سبب نزول السورة لتعيينهم في هذا الوعيد .

واسم الموصول من قوله : { الذي جمع مالاً } نعت آخر ولم يعطف { الذي } بالواو لأن ذكر الأوصاف المتعددة للموصوف الواحد يجوز أن يكون بدون عطف نحو قوله تعالى : { ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم } [ القلم : 10 13 ] .

والمال : مكاسب الإِنسان التي تنفعه وتكفي مؤونة حاجته من طعام ولباس وما يتخذ منه ذلك كالأنعام والأشجار ذات الثمار المثمرة . وقد غلب لفظ المال في كل قوم من العرب على ما هو الكثير من مشمولاتهم فغلب اسم المال بين أهل الخيام على الإِبل قال زهير :

فكُلاّ أراهم أصبحوا يعقلونه *** صحيحاتِ مال طالعات بمخرم

يريد إبل الدية ولذلك قال : طالعات بمخرم .

وهو عند أهل القرى الذين يتخذون الحوائط يغلب على النخل يقولون خرج فلان إلى مَاله ، أي إلى جناته ، وفي كلام أبي هريرة : " وإن إخواني الأنصار شغلهم العمل في أموالهم " وقال أبو طلحة : « وإن أحب أموالي إليَّ بئرُ حاء » .

وغلب عند أهل مكة على الدراهم لأن أهل مكة أهل تجر ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للعباس : " أينَ المال الذي عند أم الفضل " .

وتقدم في قوله تعالى : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } سورة آل عمران ( 92 ) .

ومعنى : { عدده } أكْثر من عدِّه ، أي حسابه لشدة ولعه بجمعه فالتضعيف للمبالغة في ( عدَّ ) ومعاودته .

وقرأ الجمهور { جمع مالاً } بتخفيف الميم ، وقرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو جعفر ورويس عن يعقوب وخلفٌ بتشديد الميم مزاوجاً لقوله : { عدده } وهو مبالغة في { جمع } . وعلى قراءة الجمهور دل تضعيف { عدده } على معنى تكلف جمعه بطريق الكناية لأنه لا يكرر عده إلا ليزيد جمعه .

ويجوز أن يكون { عدده } بمعنى أكثر إعداده ، أي إعداد أنواعه فيكون كقوله تعالى : { والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث } [ آل عمران : 14 ] .