اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلَّذِي جَمَعَ مَالٗا وَعَدَّدَهُۥ} (2)

قوله : { الذى جَمَعَ } قرأ ابن عامر{[60825]} والأخوان : بتشديد الميم ، على المبالغة ، والتكثير .

والباقون : مخففاً ، وهي محتملة للتكثير وعدمه .

وقوله تعالى : { وَعَدَّدَهُ } ، العامة : على تثقيل الدَّال الأولى ، وهي أيضاً للمبالغة .

وقرأ الحسن والكلبي{[60826]} : بتخفيفها ، وفيه أوجه :

أحدها : أن المعنى جمع مالاً ، وعدد ذلك المال ، أي : وجمع عدده : أي : أحصاه .

والثاني : أن المعنى وجمع عدد نفسه من عشيرته ، وأقاربه وعدده ، وعلى هذين التأويلين اسم معطوف على «مالاً » ، أي : وجمع عدد المال ، وعدد نفسه .

والثالث : أن عدده فعل ماض بمعنى عده ، إلا أنه شذّ في إظهاره كما شذَّ في قوله : [ البسيط ]

5293- . . . *** إنِّي أجُودُ لأقوامٍ وإنْ ضَنِنُوا{[60827]}

أي : ضنوا وبخلوا ، فأظهر التضعيف .

و«الذي » بدل من كل ، أو نصب على الذم ، وإنما وصفه تعالى بهذا الوصف ؛ لأنه يجري مجرى المسبب والعلة في الهمز واللمز ، وهو إعجابه بما جمع من المال ، وظنه أن الفضل فيه لأجل ذلك فيستنقص غيره .

فصل في معنى جمع المال

قال المفسرون : { جَمَعَ مالاً وعدَّدهُ } ، أي : أعده لنوائب الدهر ، مثل : كرم ، وأكرم .

وقيل : أحصى عدده . قاله السدي{[60828]} .

وقال الضحاكُ : أي : أعد ماله{[60829]} لمن يرثه من أولاده .

وقيل : تفاخر بعدده ، وكثرته ، والمقصود : الذم على إمساك المال على سبيل الطاعة ، كقوله : { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } [ ق : 25 ] .


[60825]:ينظر: السبعة 697، والحجة 6/441، وإعراب القراءات 2/529، وحجة القراءات 772.
[60826]:ينظر: المحرر الوجيز 5/521، والبحر المحيط 8/510، والدر المصون 6/568.
[60827]:عجز بيت لقعنب ابن أم صاحب وصدره: *** مهلا أعاذل قد جربت من خلقي *** ينظر الخصائص 1/160، 257، وسمط اللآلىء ص 576، وشرح أبيات سيبويه 1/318، والكتاب 298، 3/535، ولسان العرب (ظلل)، و(ضنن)، والمنصف 1/339، 2/303، ونوادر أبي زيد ص 44، وخزانة الأدب 1/150، 245، وشرح شافية ابن الحاجب 3/241، وشرح المفصل 2/13، والمقتضب 1/142، 253، 3/354.
[60828]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/670)، عن السدي وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
[60829]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (6/336)، والقرطبي (20/125).