مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ٱلَّذِي جَمَعَ مَالٗا وَعَدَّدَهُۥ} (2)

قوله تعالى : { الذي جمع مالا وعدده } وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : { الذي } بدل من كل أو نصب على ذم ، وإنما وصفه الله تعالى بهذا الوصف لأنه يجري مجرى السبب والعلة في الهمز واللمز وهو إعجابه بما جمع من المال ، وظنه أن الفضل فيه لأجل ذلك فيستنقص غيره .

المسألة الثانية : قرأ حمزة والكسائي وابن عامر جمع بالتشديد والباقون بالتخفيف والمعنى في جمع وجمع واحد متقارب ، والفرق أن { جمع } بالتشديد يفيد أنه جمعه من ههنا وههنا ، وأنه لم يجمعه في يوم واحد ، ولا في يومين ، ولا في شهر ولا في شهرين ، يقال : فلان يجمع الأموال أي يجمعها من ههنا وههنا ، وأما جمع بالتخفيف ، فلا يفيد ذلك ، وأما قوله : { مالا } فالتنكير فيه يحتمل وجهين ( أحدهما ) : أن يقال : المال اسم لكل ما في الدنيا كما قال : { المال والبنون زينة الحياة الدنيا } فمال الإنسان الواحد بالنسبة إلى مال كل الدنيا حقير ، فكيف يليق به أن يفتخر بذلك القليل ( والثاني ) : أن يكون المراد منه التعظيم أي مال بلغ في الخبث والفساد أقصى النهايات . فكيف يليق بالعاقل أن يفتخر به ؟ أما قوله : { وعدده } ففيه وجوه أحدها أنه مأخوذ من العدة وهي الذخيرة يقال : أعددت الشيء لكذا وعددته إذا أمسكته له وجعلته عدة وذخيرة لحوادث الدهر ( وثانيها ) : عدده أي أحصاه وجاء التشديد لكثرة المعدود كما يقال : فلان يعدد فضائل فلان ، ولهذا قال السدي : وعدده أي أحصاه يقول : هذا لي وهذا لي يلهيه ماله بالنهار فإذا جاء الليل كان يخفيه ( وثالثها ) : عدده أي كثره يقال : في بني فلان عدد أي كثرة ، وهذان القولان الأخيران راجعان إلى معنى العدد ، والقول الثالث إلى معنى العدة ، وقرأ بعضهم وعدده بالتخفيف وفيه وجهان ( أحدهما ) : أن يكون المعنى جمع المال وضبط عدده وأحصاه ( وثانيهما ) : جمع ماله وعدد قومه الذين ينصرونه من قولك فلان ذو عدد وعدد إذا كان له عدد وافر من الأنصار والرجل متى كان كذلك كان أدخل في التفاخر .