الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{ٱلَّذِي جَمَعَ مَالٗا وَعَدَّدَهُۥ} (2)

قوله تعالى : { الذي جمع مالا وعدده }

أي أعده - زعم - لنوائب الدهر ، مثل كرم وأكرم . وقيل : أحصى عدده ، قاله السدي . وقال الضحاك : أي أعد مالا لمن يرثه من أولاده . وقيل : أي فاخر بعدده وكثرته . والمقصود الذم على إمساك المال عن سبيل الطاعة ، كما قال : { مناع للخير }{[16365]} [ ق : 25 ] ، وقال : { وجمع فأوعى }{[16366]} [ المعارج : 18 ] . وقراءة الجماعة " جمع " مخفف الميم ، وشددها ابن عامر وحمزة والكسائي على التكثير ، واختاره أبو عبيد ؛ لقوله : " وعدده " . وقرأ الحسن ونصر بن عاصم وأبو العالية " جمع " مخففا ، " وعدده " مخففا أيضا ، فأظهروا التضعيف ؛ لأن أصله عده وهو بعيد ؛ لأنه وقع في المصحف بدالين . وقد جاء مثله في الشعر ؛ لما أبرزوا التضعيف خففوه . قال :

مهلاً أمامةُ{[16367]} قد جرَّبْتِ من خُلُقِي *** إني أجُودُ لأقوامٍ وإن ضَنِنُوا

أراد : ضنوا وبخلوا ، فأظهر التضعيف ؛ لكن الشعر موضع ضرورة . قال المهدوي : من خفف " وعدده " فهو معطوف على المال ، أي وجمع عدده فلا يكون فعلا على إظهار التضعيف ؛ لأن ذلك لا يستعمل إلا في الشعر .


[16365]:آية 25 سورة ق، وآية 12 سورة ن.
[16366]:آية 18 سورة المعارج.
[16367]:في اللسان وكاب سيبويه: "مهلا أعاذل". وقد نسباه لقعنب بن أم صاحب.