{ 15 - 17 } { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
لما ذكر تعالى الكافرين بآياته ، وما أعد لهم من العذاب ، ذكر المؤمنين بها ، ووصفهم ، وما أعد لهم من الثواب ، فقال : { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا } [ أي ]{[683]} إيمانًا حقيقيًا ، من يوجد منه شواهد الإيمان ، وهم : { الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا } بآيات ربهم فتليت عليهم آيات القرآن ، وأتتهم النصائح على أيدي رسل اللّه ، ودُعُوا إلى التذكر ، سمعوها فقبلوها ، وانقادوا ، و { خَرُّوا سُجَّدًا } أي : خاضعين لها ، خضوع ذكر للّه ، وفرح بمعرفته .
{ وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } لا بقلوبهم ، ولا بأبدانهم ، فيمتنعون من الانقياد لها ، بل متواضعون لها ، قد تلقوها بالقبول ، والتسليم ، وقابلوها بالانشراح والتسليم ، وتوصلوا بها إلى مرضاة الرب الرحيم ، واهتدوا بها إلى الصراط المستقيم .
ثم تترك السورة الكريمة هؤلاء المجرمين يذوقون العذاب ، وتنتقل إلى الحديث عن مشهد آخر ، عن مشهد يشرح النفوس ، ويبهج القلوب ، إنه مشهد المؤمنين الصادقين ، وما أعد الله - تعالى - من ثواب قال - تعالى - : { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا . . . بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .
أى : { إِنَّمَا يُؤْمِنُ } ويصدق { بِآيَاتِنَا } الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا ، أصحاب النفوس النقية الصافية ، الذين إذ ذكروا بها ، أى : بهذه الآيات .
{ خَرُّواْ سُجَّداً } لله - تعالى - من غير تردد { وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } أى : ونزهوه عن كل ما لا يليق به - عز وجل -
{ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } عن طاعته - سبحانه - ، وعن الانقياد لأمره ونهيه .
يسدل الستار على ذلك المشهد ليرفعه عن مشهد آخر ، في ظل آخر ، وفي جو آخر ، له عطر آخر تستروح له الأرواح وتخفق له القلوب . إنه مشهد المؤمنين . مشهدهم خاشعين مخبتين عابدين ، داعين إلى ربهم وقلوبهم راجفة من خشية الله ، طامعة راجية في فضل الله . وقد ذخر لهم ربهم من الجزاء ما لا يبلغ إلى تصوره خيال :
( إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم ، وهم لا يستكبرون . تتجافى جنوبهم عن المضاجع ، يدعون ربهم خوفا وطمعا ، ومما رزقناهم ينفقون . فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ، جزاء بما كانوا يعملون ) . .
وهي صورة وضيئة للأرواح المؤمنة ، اللطيفة ، الشفيفة الحساسة المرتجفة من خشية الله وتقواه ، المتجهة إلى ربها بالطاعة المتطلعة إليه بالرجاء ، في غير ما استعلاء ولا استكبار . هذه الأرواح هي التي تؤمن بآيات الله ، وتتلقاها بالحس المتوفز والقلب المستيقظ والضمير المستنير .
هؤلاء إذا ذكروا بآيات ربهم ( خروا سجدا )تأثرا بما ذكروا به ، وتعظيما لله الذي ذكروا بآياته ، وشعورا بجلاله الذي يقابل بالسجود أول ما يقابل ، تعبيرا عن الإحساس الذي لا يعبر عنه إلا تمريغ الجباه بالتراب ( وسبحوا بحمد ربهم ) . مع حركة الجسد بالسجود . ( وهم لا يستكبرون ) . . فهي استجابة الطائع الخاشع المنيب الشاعر بجلال الله الكبير المتعال .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا خَرّواْ سُجّداً وَسَبّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ما يصدق بحججنا وآيات كتابنا إلاّ القوم الذين إذا ذكروا بها ووعظوا خرّوا لله سجدا لوجوههم ، تذلّلاً له ، واستكانة لعظمته ، وإقرارا له بالعبوديّة وَسَبّحُوا بِحَمْدِ رَبّهِمْ يقول : وسبحوا الله في سجودهم بحمده ، فيبرّؤونه مما يصفه أهل الكفر به ، ويضيفون إليه من الصاحبة والأولاد والشركاء والأنداد وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يقول : يفعلون ذلك ، وهم لا يستكبرون عن السجود له والتسبيح ، لا يستنكفون عن التذلّل له والاستكانة . وقيل : إن هذه الاَية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن قوما من المنافقين كانوا يخرجون من المسجد إذا أقيمت الصلاة ، ذُكر ذلك عن حجاج ، عن ابن جُرَيج .
ثم أثنى عز وجل على القوم الذين يؤمنون بآياته ووصفهم بالصفة الحسنى بسجودهم عند التذكير وتسبيحهم وعدم استكبارهم بخلاف ما يصنع الكفر من الإعراض عند التذكير وقول الهجر وإظهار التكبر . وهذه السجدة من عزائم سجود القرآن ، وقال ابن عباس : السجود هنا بمعنى الركوع ، وقد روي عن ابن جريج ومجاهد أن هذه الآية نزلت بسبب قوم من المنافقين كانوا إذا أقيمت الصلاة خرجوا من المسجد فكان الركوع يقصد من هذا ، ويلزم على هذا أن تكون الآية مدنية ، وأيضاً فمن مذهب ابن عباس أن القارىء للسجدة يركع واستدل بقوله { وخر راكعاً وأناب }{[9423]} [ ص : 24 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.