تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓاْ إِلَّا فَاجِرٗا كَفَّارٗا} (27)

وذكر السبب في ذلك فقال : { إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا } أي : بقاؤهم مفسدة محضة ، لهم ولغيرهم ، وإنما قال نوح -عليه السلام- ذلك ، لأنه مع كثرة مخالطته إياهم ، ومزاولته لأخلاقهم ، علم بذلك نتيجة أعمالهم ، لا جرم أن الله استجاب دعوته{[1242]} ، فأغرقهم أجمعين ونجى نوحا ومن معه من المؤمنين .


[1242]:- في ب: فلهذا استجاب الله له دعوته.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓاْ إِلَّا فَاجِرٗا كَفَّارٗا} (27)

وقوله { إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ } تعليل لدعائه عليهم جميعا بالهلاك . أى : يا رب لا تترك منهم أحدا سالما ، بل أهلكهم جميعا لأنك إن تترك منهم أحدا على أرضك بدون إهلاك ، فإن هؤلاء المتروكين من دأبهم - كما رأيت منهم زمانا طويلا - إضلال عبادك عن طريق الحق .

وقوله : { وَلاَ يلدوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } زيادة فى ذمهم وفى التشنيع عليهم .

والفاجر : هو المتصف بالفجور ، والملازم له ملازمة شديدة ، والفجور : هو الفعل البالغ للنهاية فى الفساد والقبح .

والكفار : هو المبالغ فى الكفر ، والجحود لنعم الله - تعالى - .

أى : إنك يا إلهى إن تتركهم بدون إهلاك ، يضلوا عبادك عن كل خير ، وهم فوق ذلك ، لن يلدوا إلا من هو مثلهم فى الفجور والكفران لأنهم قد نشَّأوا أولادهم على كراهية الحق ، وعلى محبة الباطل .

قال الجمل : فإن قيل : كيف علم نوح أن أولادهم يكفرون ؟ أجيب : بأنه لبث فيهم ألف سنة إلأ خمسين عاماً ، فعرف طباعهم وأحوالهم ، وكان الرجل منهم ينطلق إليه بابنه ويقول له : احذر هذا - أى نوحا - فإنه كذاب ، وإن أبى حذرنى منه ، فيموت الكبير ، وينشأ الصغير على ذلك .

وعلى أية حال فالذى نعتقده أن نوحا - عليه السلام - ما دعا عليهم بهذا الدعاء ، وما قال فى شأنهم هذا القول - وهو واحد من أولى العزم من الرسل - إلا بعد أن يئس من إيمانهم ، وإلا بعد أن أخبره ربه : أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ، وإلا بعد أن رأى منهم - بعد ألف سنة إلا خمسين عاما عاشها معها -

أنهم قوم قد استحبوا العمى على الهدى ، وأن الأبناء منهم يسيرون على طريقة الآباء فى الكفر والفجور .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓاْ إِلَّا فَاجِرٗا كَفَّارٗا} (27)

ثم يكمل دعاء نوح الأخير ؛ وابتهاله إلى ربه في نهاية المطاف :

( وقال نوح : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا . إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا . رب اغفر لي ولوالدي ، ولمن دخل بيتي مؤمنا ، وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا ) . .

فقد ألهم قلب نوح أن الأرض تحتاج إلى غسل يطهر وجهها من الشر العارم الخالص الذي انتهى إليه القوم في زمانه . وأحيانا لا يصلح أي علاج آخر غير تطهير وجه الأرض من الظالمين ، لأن وجودهم يجمد الدعوة إلى الله نهائيا ، ويحول بينها وبين الوصول إلى قلوب الآخرين . وهي الحقيقة التي عبر عنها نوح ، وهو يطلب الإجهاز على أولئك الظالمين إجهازا كاملا لا يبقي منهم ديارا - أي صاحب ديار - فقال : ( إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ) . . ولفظة( عبادك )توحي بأنهم المؤمنون . فهي تجيء في السياق القرآني في مثل هذا الموضع بهذا المعنى . وذلك بفتنتهم عن عقيدتهم بالقوة الغاشمة ، أو بفتنة قلوبهم بما ترى من سلطان الظالمين وتركهم من الله في عافية !

ثم إنهم يوجدون بيئة وجوا يولد فيها الكفار ، وتوحي بالكفر من الناشئة الصغار ، بما يطبعهم به الوسط الذي ينشئه الظالمون ، فلا توجد فرصة لترى الناشئة النور ، من خلال ما تغمرهم به البيئة الضالة التي صنعوها . وهي الحقيقة التي أشار إليها قول النبي الكريم نوح عليه السلام ، وحكاها عنه القرآن : ( ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) . . فهم يطلقون في جو الجماعة أباطيل وأضاليل ، وينشئون عادات وأوضاعا ونظما وتقاليد ، ينشأ معها المواليد فجارا كفارا ، كما قال نوح . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓاْ إِلَّا فَاجِرٗا كَفَّارٗا} (27)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوَاْ إِلاّ فَاجِراً كَفّاراً * رّبّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَبَاراً } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح في دعائه إياه على قومه : إنك يا ربّ إن تذر الكافرين أحياء على الأرض ، ولم تهلكهم بعذاب من عندك يُضِلّوا عِبادَكَ الذين قد آمنوا بك ، فيصدّوهم عن سبيلك ، وَلا يَلِدُوا إلاّ فاجِرا في دينك كَفّارا لنعمتك .

وذُكر أن قيل نوح هذا القول ودعاءه هذا الدعاء ، كان بعد أن أوحي إليه ربه : أنّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : رَبّ لا تَذَرْ على الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارا أما والله ما دعا عليهم حتى أتاه الوحي من السماء أنّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ فعند ذلك دعا عليهم نبيّ الله نوح فقال : رَبّ لا تَذَرْ على الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارا إنّكَ إنْ تَذَرْهُمْ يُضِلّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إلاّ فاجِرا كَفّارا ثم دعاه دعوة عامة فقال : رَبّ اغْفِرْ لي وَلِوَالِدَيّ ولمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنا وَللْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ . . . إلى قوله : تَبارا .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : تلا قتادة لا تَذَرْ على الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارا ثم ذكره نحوه .