تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِنَعۡبُدَ ٱللَّهَ وَحۡدَهُۥ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (70)

ف { قَالُوا } متعجبين من دعوته ، ومخبرين له أنهم من المحال أن يطيعوه : { أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } قبحهم اللّه ، جعلوا الأمر الذي هو أوجب الواجبات وأكمل الأمور ، من الأمور التي لا يعارضون بها ما وجدوا عليه آباءهم ، فقدموا ما عليه الآباء الضالون من الشرك وعبادة الأصنام ، على ما دعت إليه الرسل من توحيد اللّه وحده لا شريك له ، وكذبوا نبيهم ، وقالوا : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } وهذا استفتاح منهم على أنفسهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِنَعۡبُدَ ٱللَّهَ وَحۡدَهُۥ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (70)

وإلى هنا يكون هود - عليه - السلام - قد رد على قومه رداً مقنعاً حكيما ، كان المتوقع من ورائه أن يستجيبوا له ، وأن يقبلوا على دعوته ، ولكنهم لسوء تفكيرهم وانطماس بصيرتهم ، أخذتهم العزة بالإثم فماذا قالوا لنبيهم ومرشدهم ؟

{ قالوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين } أى : قالوا له على سبيل الإنكار والاستهزاء : أجئتنا يا هود لأجل أن نعبد الله وحده ، ونترك ما كان يعبد آباؤنا من الأوثان والأصنام إن هذا لن يكون منا أبداً فأتنا بما تعدنا به من العذاب إن كنت من الصادقين فيما تخبر به .

وننظر في هذا الرد من قوم هود فنراه طافحا بالتهور والتحدى والاستهزاء واستعجال العذاب .

حتى لكأن هودا - عليه السلام - يدعوهم إلى منكر لا يطيقون سماعه ولا يصبرون على الجدل فيه ! !

أليس هو يدعوهم إلى وحدانية الله وإفراده بالعبادة وترك ما كان يعبد آباؤهم ، وهذا في زعمهم أمر منكر لا يطيقون الصبر عليه .

وهكذا يستحوذ الشيطان على قلوب بعض الناس وتفكيرهم فيصور لهم الحسنات في صورة سيئات ، والسيئات في صورة حسنات .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى المجىء في قوله : { أَجِئْتَنَا } ، قلت فيه أوجه : أن يكون لهود - عليه السلام - مكان معتزل عن قومه يتحنث فيه كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء قبل المبعث ، فلما أوحى إليه جاء قومه يدعوهم .

وأن يريدوا به الاستهزاء ، لأنهم كانوا يعتقدون أن الله - تعالى - لا يرسل إلا الملائكة ، فكأنهم قالوا : أجئتنا من السماء كما يجىء الملك . وأنهم لا يريدون حقيقة المجىء . ولكن التعريض بذلك والقصد كما يقال : ذهب يشتمنى ولا يراد حقيقة الذهاب ، كأنهم قالوا أقصدتنا لنعبد الله وحده وتعرضت لنا بتكليف ذلك " .

وقولهم : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين } يدل على أنه كان يتوعدهم بالعذاب من الله . إذا استمروا على شركهم ، ويدل - أيضا - على تصميمهم على الكفر ، واحتقارهم لأمر هود - عليه السلام - واستعجالهم إياه بالعقوبة على سبيل التحدى ، لأنهم كانوا يتوهمون أن العقوبة لن تقع عليهم أبداً .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِنَعۡبُدَ ٱللَّهَ وَحۡدَهُۥ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (70)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُوَاْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ } .

يقول تعالى ذكره : قالت عاد لهود : أجئتنا تتوعدنا بالعقاب من الله على ما نحن عليه من الدين كي نعبد الله وحده وندين له بالطاعة خالصا ونهجر عبادة الاَلهة والأصنام التي كان آباؤنا يعبدونها ونتبرأ منها ؟ فلسنا فاعلي ذلك ولا متبعيك على ما تدعونا إليه ، فأتنا بما تعدنا من العقاب والعذاب على تركنا إخلاص التوحيد لله ، وعبادتنا ما نعبد من دونه من الأوثان إن كنت من أهل الصدق على ما تقول وتعد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِنَعۡبُدَ ٱللَّهَ وَحۡدَهُۥ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (70)

جاوبوا هوداً بما أنبأ عن ضياع حجّته في جنب ضلالة عقولهم ومكابرة نفوسهم ، ولذلك أعادوا تكذيبه بطريق الاستفهام الإنكاري على دعوته للتّوحيد ، وهذا الجواب أقلّ جفوة وغلِظة من جوابهم الأوّل ، إذ قالوا : { إنّا لنراك في سفاهة وإنّا لنظنّك من الكاذبين } [ الأعراف : 66 ] كأنّهم راموا استنزل نفس هود ومحاولة إرجاعه عمّا دعاهم إليه ، فلذلك اقتصروا على الإنكار وذكروه بأنّ الأمر الذي أنكرهُ هوَ دينُ آباء الجميع تعريضاً بأنّه سفّه آباءه ، وهذا المقصد هو الذي اقتضى التّعبير عن دينهم بطريق الموصولية في قولهم : { ما كان يعبد آباؤنا } إيماء إلى وجه الإنكار عليه وإلى أنه حقيق بمتابعة دين آبائه ، كما قال الملأُ من قريش لأبي طالب حين دعاه النّبيء صلى الله عليه وسلم أنْ يقول : " لا إله إلا الله " عند احتضاره فقالوا لأبي طالب : « أترغَبُ عن ملّة عبد المطّلب » .

واجتلاب ( كانَ ) لتدلّ على أن عبادتهم أمر قديم مَضت عليه العصور .

والتّعبير بالفعل وكونه مضارعاً في قوله : { يَعبد } ليدلّ على أنّ ذلك متكرّر من آبائهم ومتجدّد وأنّهم لا يَفتُرون عنه .

ومعنى { أجئتنا } أقصدتَ واهتممت بنا لنعبد الله وحده فاستعير فعل المجيء لمعنى الاهتمام والتّحفّز والتّصلّب ، كقول العرب : ذَهب يفعل ، وفي القرآن : { يأيها المدّثّر قُمْ فأنْذِر } [ المدثر : 1 ، 2 ] وقال حكاية عن فرعون : { ثمّ أدْبَر يَسْعَى فحشر فنادى } [ النازعات : 22 ، 23 ] وفرعون لم يفارق مجلس ملكه وإنّما أريد أنّه أعرض واهتمّ ومثله قولهم ذهب يفعل كذا قال النّبهاني :

فإن كنتَ سيّدَنّا سُدْتَنا *** وإن كُنْتَ لِلْخَال فاذْهب فَخلْ

فقصدوا ممّا دلّ عليه فعل المجيء زيادة الإنكار عليه وتسفيهَه على اهتمامه بأمر مثل ما دعاهم إليه .

و { وحده } حال من اسم الجلالة وهو اسم مصدر أوْحَده : إذا اعتقده واحداً ، فقياس المصدر الإيجاد ، وانتصب هذا المصدر على الحال : إمّا من اسم الجلالة بتأويل المصدر باسم المفعول عند الجمهور أي مُوحَّداً أي محكوماً له بالوحدانيه ، وقال يونس : هو بمعنى اسم الفاعل أي موحِّدين له فهو حال من الضّمير في { لنعبد } .

وتقدّم معنى : { ونذر } عند قوله تعالى : { وذر الذين اتّخذوا دينهم لعباً ولهواً } في سورة الأنعام ( 70 ) .

والفاء في قوله : فأتنا بما تعدنا } لتفريع طلب تحقيق ما توعدهم به ، وتحدّياً لهود ، وإشعاراً له بأنّهم موقنون بأنْ لا صِدْق للوعيد الذي يتوعّدهم فلا يخشون ما وعدهم به من العذاب . فالأمر في قولهم : { فأتنا } للتّعجيز .

والإتيان بالشّيء حقيقته أن يجيء مصاحباً إيَّاه ، ويستعمل مجازاً في الإحضار والإثبات كما هنا . والمعنى فعجل لنا ما تعدنا به من العذاب ، أو فحقّق لنا ما زعمتَ من وعيدنا . ونظيرُه الفعلُ المشتقّ من المجيء مثل { ما جئتنَا ببيّنة } [ هود : 53 ] { الآن جئتَ بالحقّ } [ البقرة : 71 ] .

وأسندوا الفعل إلى ضميره تعريضاً بأن ما توعدهم به هو شيء من مختلقاته وليس من قِبَل الله تعالى ، لأنّهم يزعمون أنّ الله لا يحبّ منهم الإقلاع عن عبادة آلهتهم ، لأنّه لا تتعلّق إرادته بطلب الضّلال في زعمهم .

والوعد الذي أرادوه وعْد بالشرّ ، وهو الوعيد ، ولم يتقدّم ما يفيد أنّه توعّدهم بسوء ، فيحتمل أن يكون وعيداً ضمنياً تضمّنه قوله : { أفلا تتّقون } [ الأعراف : 65 ] لأنّ إنكاره عليهم انتفاء الاتّقاء دليل على أنّ ثمّة ما يُحذر منه ، ولأجل ذلك لم يُعَيِّنوا وعيداً في كلامهم بل أبهموه بقولهم { بما تعدنا } ، ويحتمل أن يكون الوعيد تعريضاً من قوله : { إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح } [ الأعراف : 69 ] المؤذن بأنّ الله استأصل قوم نوح وأخلفهم بعاد ، فيوشك أن يستأصل عادا ويخلفهم بغيرهم .

وعقّبوا كلامهم بالشّرط فقالوا : { إن كنتَ من الصّادقين } استقصاء لمقدرته قصداً منهم لإظهار عجزه عن الإتيان بالعذاب فلا يسعه إلاّ الاعتراف بأنّه كاذب ، وجواب الشّرط محذوف دلّ عليه ما قبله تقديره : أتيتَ به وإلاّ فلست بصادق .