تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَنَادَىٰ نُوحٞ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ وَأَنتَ أَحۡكَمُ ٱلۡحَٰكِمِينَ} (45)

{ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ } أي : وقد قلت لي : ف { احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ } ولن تخلف ما وعدتني به .

لعله عليه الصلاة والسلام ، حملته الشفقة ، وأن الله وعده بنجاة أهله ، ظن أن الوعد لعمومهم ، من آمن ، ومن لم يؤمن ، فلذلك دعا ربه بذلك الدعاء ، ومع هذا ، ففوض الأمر لحكمة الله البالغة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَنَادَىٰ نُوحٞ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ وَأَنتَ أَحۡكَمُ ٱلۡحَٰكِمِينَ} (45)

ثم ختم - سبحانه - قصة نوح مع قومه فى هذه السورة ، بتلك الضراعة التى تضرع بها نوح - عليه السلام - بشأن ولده ، وبذلك الرد الحكيم الذى رد به الخالق - عز وجل - على نوح - عليه السلام ، وبتعقيب على القصة يدل على وحدانية الله - تعالى - ، وعلى صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن ربه قال - تعالى - :

{ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي . . . }

المراد بالنداء فى قوله - سبحانه - : { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ . . . } الدعاء والضراعة إلى الله - تعالى - .

والجملة الكريمة معطوفة على ما قبلها .

أى : وبعد أن تخلف ابن نوح عليه السلام عن الركوب معه فى السفينة ، وقضى الأمر بهلاك الكافرين ونجاة المؤمنين . . تضرع نوح - عليه السلام - إلى ربه فقال فى استعطاف ورجاء :

يا رب ! إن ابنى " كنعان " { مِنْ أَهْلِي } فهو قطعة منى ، فأسألك أن ترحمه برحمتك { وَإِنَّ وَعْدَكَ الحق } أى : وإن كل وعد تعده لعبادك هو الوعد الحق وأنت - يا ربى - قد وعدتنى بنجاة أهلى إلا من سبق عليه القول منهم ، لكنى فى هذا الموقف العصيب أطمع فى عفوك عن انبى وفى رحمتك له .

وقوله : { وَأَنتَ أَحْكَمُ الحاكمين } أى : وأنت يا إلهى - لا راد لما تحكم به ، ولا معقب لحكمك ، وحكمك هو الحق والعدل ، وهو المنزه عن الخطأ والمحاباة ، لأنه صادر عن كمال العلم والحكمة .

واكتفى نوح - عليه السلام - بأن يقول : { رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحق وَأَنتَ أَحْكَمُ الحاكمين } دون أن يصرح بمطلوبه وهو نجاة ابنه تأدباً مع الله - تعالى - وحياء منه - سبحانه - واعتقاداً منه بأنه - سبحانه - عليم بما يريده وخبر بما يجول فى نفسه .

وهذا لو من الأدب السامى ، سلكه الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام - فى مخاطبتهم لربهم - عز وجل - ومن أولى منهم بذلك ؟ ! !

ولعل نوحا - عليه السلام - عندما تضرع إلى ربه - سبحانه - بهذا الدعاء لم يكن يعلم أن طلب الرحمة أو النجاة لابنه الكافر ممنوع ، فكان حاله فى ذلك كحال النبى - صلى الله عليه وسلم - عندما قال لعمه أبى طالب : " لأستغفرن لك ما لم أنه عن ذلك " واستمر يستغفر له إلى أن نزل قوله - تعالى - { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والذين آمنوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانوا أُوْلِي قربى . . . } وقال الشيخ القاسمى : وإنما قال نوح ذلك - أى : رب إن أبنى من أهلى . . ألخ - لفهمه - من الأهل ذوى القرابة الصورية ، والرحمة النسبية ، وغفل - لفرط التأسف على ابنه - عن استثنائه - تعالى - بقوله : { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول } ولم يتحقق أن ابنه هو الذى سبق عليه القول ، فاستعطف ربه بالاسترحام ، وعرض بقوله { وَأَنتَ أَحْكَمُ الحاكمين } إلى أن العالم العادل الحكيم لا يخلف وعده .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَنَادَىٰ نُوحٞ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ وَأَنتَ أَحۡكَمُ ٱلۡحَٰكِمِينَ} (45)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَنَادَى نُوحٌ رّبّهُ فَقَالَ رَبّ إِنّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنّ وَعْدَكَ الْحَقّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : ونادى نوح ربه ، فقال : ربّ إنك وعدتني أن تنجيني من الغرق والهلاك وأهلي ، وقد هلك ابني ، وابني من أهلي . وَإنّ وَعْدَكَ الحَقّ الذي لا خلف له . وأنْتَ أحكَمُ الحاكِمينَ بالحق ، فاحكم لي بأن تفيَ بما وعدتني من أن تنجيَ لي أهلي وترجعَ إليّ ابني . كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وأنْتَ أحْكَمُ الحاكِمينَ قال : أحكم الحاكمين بالحقّ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَنَادَىٰ نُوحٞ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ وَأَنتَ أَحۡكَمُ ٱلۡحَٰكِمِينَ} (45)

{ ونادى نوح ربه } وأراد نداءه بدليل عطف قوله : { فقال رب إن ابني من أهلي } فإنه النداء . { وإن وعدك الحق } وإن كل وعد تعده حق لا يتطرق إليه الخلف ، وقد وعدت أن تنجي أهلي فما حاله ، أو فما له لم ينج ، ويجوز أن يكون هذا النداء قبل غرقه . { وأنت أحكم الحاكمين } لأنك أعلمهم وأعدلهم ، أو لأنك أعلمهم وأعدلهم ، أو لأنك أكثر حكمة من ذوي الحكم على أن الحاكم من الحكمة كالدارع من الدرع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَنَادَىٰ نُوحٞ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ وَأَنتَ أَحۡكَمُ ٱلۡحَٰكِمِينَ} (45)

هذه جملة معطوفة على التي قبلها دون ترتيب ، وذلك أن هذه القصة كانت في أول ما ركب نوح في السفينة ؛ ويظهر من كلام الطبري أن ذلك كان بعد غرق الابن ، وهو محتمل ، والأول أليق .

وهذه الآية احتجاج{[6372]} من نوح عليه السلام ، وذلك أن الله أمره بحمل أهله وابنه من أهله فينبغي أن يحمل ، فأظهر الله له أن المراد من آمن من الأهل ، ثم حسن المخاطبة بقوله : { وإن وعدك الحق } ، وبقوله : { وأنت أحكم الحاكمين } ، فإن هذه الأقوال معينة في حجته ، وهذه الآية تقتضي أن نوحاً عليه السلام ظن أن ابنه مؤمن ، وذلك أشد الاحتمالين .


[6372]:- يريد أن هذه الآية حجة من نوح يقدمها في استعطافه لله، ولا يريد الاحتجاج بمعنى المعارضة أو إقامة الحجة.