نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَنَادَىٰ نُوحٞ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبۡنِي مِنۡ أَهۡلِي وَإِنَّ وَعۡدَكَ ٱلۡحَقُّ وَأَنتَ أَحۡكَمُ ٱلۡحَٰكِمِينَ} (45)

ولما كان الاستثناء من أهله في قوله : { إلا من سبق عليه القول } يجوز أن يراد به امرأته فقط ، فتكون نجاة ابنه جائزة ، وكان ما عند الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من فرط الشفقة على الخلق لا سيما الأقارب يحملهم على السعي في صلاحهم ما كان لذلك وجه كما تقدم{[39306]} مثل ذلك في قوله تعالى{ إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم }{[39307]}[ التوبة : 80 ] لأن أجنحة الخلق كسيرة وأيديهم قصيرة وأمرهم ضعيف وحالهم رث ، فأدنى هوان يورثهم الخسران ، وأما جناب الحق{[39308]} ففسيح وشأنه عظيم وأمره عليّ ، فلا يلحقه نقص بوجه ولا يدانيه ضرر ولا يعتري{[39309]} أمره وهن{[39310]} ، لما كان ذلك كذلك ، سأل نوح عليه السلام نجاة ولده كما أخبر عنه تعالى في قوله : { ونادى نوح ربه } أي الذي عوده بالإحسان الجزيل{[39311]} ، ودل سبحانه بالعطف بالفاء{[39312]} دون أن يأتي بالاستئناف{[39313]} المفسر للنداء على أن ما ذكر هنا من نداء نوح عليه السلام بعض ندائه وأن هذا المذكور مرتب معقب على شيء منه سابق عليه أقربه{[39314]} أن يكون ما أرشده{[39315]} إليه سبحانه في سورة المؤمنين ويشعر به قوله تعالى بعد هذا جواباً له { يا نوح اهبط بسلام منا } فيكون تقدير الكلام قال{[39316]} : رب أنزلني منزلاً مباركاً - وما قدر له من الكلام { فقال } أي عقبة لما حمله على ذلك من رحمة النبوة وشفقة الأبوة وسجية{[39317]} البشر متعرضاً لنفحات الرحمة وعواطف العفو ؛ أو الفاء تفصيل لمجمل{[39318]} " نادى " مثل ما في{[39319]} : توضأ{[39320]} فغسل { رب إن ابني } أي الذي غرق { من أهلي } أي وقد أمرتني بحمل أهلي ، وذلك الأمر محتمل للإشارة إلى إرادة نجاتهم { وإن وعدك الحق } أي الكامل في نجاتهم إلا من سبق عليه القول ، وقد علمت ذلك في المرأة الكافرة { وأنت أحكم الحاكمين* } لأنك أعلمهم ، ومن كان أعلم كان أحكم فتعلم أن{[39321]} قولك { إلا من سبق عليه القول } يصح باستثنائها وحدها ، فإن كان ابني ممن نجا فأتني به ؛ وإن كان هذا الدعاء عند حيلولة{[39322]} الموج بينهما فالمعنى : فلا تهلكه


[39306]:زيد بعده في ظ: في.
[39307]:سورة 9 آية 80.
[39308]:من ظ، وفي الأصل: الخلق.
[39309]:في ظ: لا يعتني.
[39310]:زيدت الواو بعده في ظ.
[39311]:زيد من ظ.
[39312]:من ظ، وفي الأصل: بالباء.
[39313]:من ظ، وفي الأصل: للاستيناف.
[39314]:من ظ، وفي الأصل: أقربته.
[39315]:من ظ، وفي الأصل: أرشد.
[39316]:سقط من ظ.
[39317]:في ظ: شجية.
[39318]:من ظ، وفي الأصل: المجمل.
[39319]:زيد من ظ.
[39320]:في ظ: قومنا.
[39321]:في ظ: قومنا.
[39322]:في ظ: حيولة.