تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (64)

{ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وما في الْأَرْضِ } خلقا وعبيدا ، يتصرف فيهم بملكه وحكمته وكمال اقتداره ، ليس لأحد غيره من الأمر شيء .

{ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ } بذاته الذي له الغنى المطلق التام ، من جميع الوجوه ، ومن غناه ، أنه لا يحتاج إلى أحد من خلقه ، ولا يواليهم من ذلة ، ولا يتكثر بهم من قلة ، ومن غناه ، أنه ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ، ومن غناه ، أنه صمد ، لا يأكل ولا يشرب ، ولا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الخلق بوجه من الوجوه ، فهو يطعم ولا يطعم ، ومن غناه ، أن الخلق كلهم مفتقرون إليه ، في إيجادهم ، وإعدادهم وإمدادهم ، وفي دينهم ودنياهم ، ومن غناه ، أنه لو اجتمع من في السماوات ومن في الأرض ، الأحياء منهم والأموات ، في صعيد واحد ، فسأل كل منهم ما بلغت أمنيته ، فأعطاهم فوق أمانيهم ، ما نقص ذلك من ملكه شيء ، ومن غناه ، أن يده سحاء بالخير والبركات ، الليل والنهار ، لم يزل إفضاله على الأنفاس ، ومن غناه وكرمه ، ما أودعه في دار كرامته ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .

{ الْحَمِيدِ } أي : المحمود في ذاته ، وفي أسمائه ، لكونها حسنى ، وفي صفاته ، لكونها كلها صفات كمال ، وفي أفعاله ، لكونها دائرة بين العدل والإحسان والرحمة والحكمة وفي شرعه ، لكونه لا يأمر إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة ، ولا ينهى إلا عما فيه مفسدة خالصة أو راجحة ، الذي له الحمد ، الذي يملأ ما في السماوات والأرض ، وما بينهما ، وما شاء بعدها ، الذي لا يحصي العباد ثناء على حمده ، بل هو كما أثنى على نفسه ، وفوق ما يثني عليه عباده ، وهو المحمود على توفيق من يوفقه ، وخذلان من يخذله ، وهو الغني في حمده ، الحميد في غناه .