بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَٱغۡفِرۡ لِأَبِيٓ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ} (86)

ثم قال : { واغفر لاِبِى إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضالين } يعني : اهده إلى الحق من الضلالة والشرك . يعني : إنه كان من المشركين في الحال كقوله عز وجل : { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى المهد صَبِيّاً } [ مريم : 29 ] يعني : من هو في الحال صبي . ويقال : إنه كان من الضالين حين فارقته كقوله : { أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لمساكين يَعْمَلُونَ فِى البحر فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } [ الكهف : 79 ] وهذا الاستغفار حين كان وعده بالإسلام .

وقال مقاتل : إن إبراهيم عليه السلام قد كذب ثلاث كذبات ، وأخطأ ثلاث خطيئات ، وابتلي بثلاث بليات ، وسقط سقطة ، فأما الكذبات فقال : { فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ } [ الصافات : 89 ] وقوله : { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَاسْألُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } [ الأنبياء : 63 ] وقوله لسارة حين قال هي أختي . والخطايا قوله للنجم والشمس والقمر : { فَلَماَّ رَأَى الشمس بَازِغَةً قَالَ هذا رَبِّى هاذآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ ياقوم إِنِّى برىء مِّمَّا تُشْرِكُونَ } [ الأنعام : 78 ] وأما البليات : حين قذف في النار ، والختان والأمر بذبح الولد ، وسقط سقطة حين دعا لأبيه ، وهو مشرك . وقال غيره لم يكذب ولم يخطىء ، ولم يسقط ، لأنه قال : { إِنّى سَقِيمٌ } يعني : سأسقم ، لأن كل آدمي سيصيبه السقم . وقوله : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا } قَد قرنه بالشرط ، وهو قوله : { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَاسْألُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } [ الأنبياء : 63 ] وقوله لسارة : هي أخته ، فكانت أخته في الدين وقوله : { هذا رَبّى } كان على وجه الاسترشاد لا للتحقيق . ويقال : كان ذلك القول على سبيل الإنكار والزجر . يعني : أمثل هذا ربي ، وأما دعاؤه لأبيه ، فعن وعدة وعدها إياه ، وقد بيّن الله تعالى بقوله : { وَمَا كَانَ استغفار إبراهيم لاًّبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إبراهيم لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [ التوبة : 114 ] الآية . يعني : أن أباه وعده أنه سيؤمن ، فما دام حياً يرجو أو يدعو ، وإذا مات ضالاً ترك الاستغفار . ويقال : إن إبراهيم كان وعده أن يستغفر له حيث قال : { قَالَ سلام عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً } [ مريم : 47 ] ، فَاستغفر له ليكون منجزاً لوعده