تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱغۡفِرۡ لِأَبِيٓ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ} (86)

[ الآية 86 ] وقوله تعالى : { واغفر لأبي إنه كان من الضالين } لا يحتمل أن يكون استغفار إبراهيم لأبيه ، والله أعلم ، على ظاهر ما ذكر في ظاهر الآية { واغفر لأبي إنه كان من الضالين } لأنه لا يجوز أن يدعو له ، وهو كذلك . لكن كان من إبراهيم الاستغفار له . فأخبر الله أنه{[14692]} كان من الضالين ؛ فيكون هذا الثاني إخبارا من الله لإبراهيم أنه من الضالين ، والأول قول إبراهيم .

وكذلك قال بعض أهل التأويل في قصة بلقيس حين{[14693]} { قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة } فصدقها تعالى في مقالتها ، وقال : { وكذلك يفعلون } [ النمل : 34 ] يجعلون قوله تعالى : { وكذلك يفعلون } تصديقا من الله لها [ لا قول ] تلك{[14694]} المرأة .

ومثال ذلك كثير في القرآن ، يكون بعضه مفصولا من بعض [ كقوله تعالى ]{[14695]} : { ولو ألقى معاذيره } { لا تحرك به لسانك } [ القيامة : 15 و16 ] قوله : { ولو ألقى معاذيره } مفصول من قوله { لا تحرك به لسانك } لا وصل بينهما . فعلى ذلك دعاء إبراهيم ، يحتمل أن يكون قوله : { واغفر لأبي } مفصولا من قوله : { إنه كان من الضالين } .

هذا جائز أن يكون قوله : { واغفر لأبي } أي أعط له ما به تغفر خطاياه ، وهو التوحيد ، فيكون سؤاله سؤال التوحيد له والتوفيق على ذلك ؛ [ إذ به ]{[14696]} يغفر من الخطايا كقوله : { إذ ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } [ الأنفال : 38 ] وعلى ذلك يخرج دعاء هود لقومه حين{[14697]} أمرهم أن يستغفروا ربهم ، وهو قوله { ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه } [ هود : 52 ] وأسلموا له .

طلب منهم ابتداء الإسلام ؛ إذ لا يحتمل أن يقول لهم : قولوا : نستغفر{[14698]} الله ، ولكن أمرهم أن يأتوا بما به يغفر لهم ، وهو التوحيد . وكذلك قول نوح : { استغفروا ربكم إنه كان غفارا } [ نوح : 10 ] .

وقول أهل التأويل : إن إبراهيم كذب ثلاثا كلام لا معنى له ، لا يحتمل أن يكون الله يختاره ، ويجعل رسالته في الذي يكذب بحال .


[14692]:- في الأصل وم: له.
[14693]:- في الأصل وم: حيث.
[14694]:- في الأصل: قوله، في م: قول.
[14695]:- ساقطة من الأصل وم.
[14696]:- في الأصل وم: وبه.
[14697]:- في الأصل وم: حيث.
[14698]:- في الأصل وم: استغفروا.