فهم لا يسمعون : سماع تأمل وطاعة وقبول ، أي : لا يقبلون ولا يطيعون .
4- { بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون } .
هذا القرآن نزل مشتملا على ألوان البيان ، فهو يبشر المؤمنين بالهدى والرضوان في الدنيا ، وبالجنة ونعيمها في الآخرة ، وهو ينذر الكافرين ببطش الله وعقوبته في الدنيا ، وبعذاب جهنم في الآخرة ، لكن الكفار لم يستجيبوا لدعوة القرآن لهم إلى الإيمان ، وأعرض أكثر الكافرين عن القرآن ، وانصرفوا عن هدايته والإصغاء إليه .
سماع تدبر وإمعان ، وإن سمعت آذانهم القرآن إلا أنهم أعرضوا عنه بقلوبهم ، فكأنهم لم يسمعوه ، تقول : ذهبت إلى فلان لأعرض عليه الموضوع فلم يسمعني ، أي لم يستجب لما رجوته منه .
قال تعالى : { ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم } . ( محمد : 16 ) .
وقال سبحانه : { ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون } . ( الأنفال : 21 ) .
وقال عز شأنه : { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا * وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا } . ( الإسراء : 45 ، 46 ) .
{ بَشِيراً وَنَذِيراً } وموصوفها وهو { قُرْءاناً } [ فصلت : 3 ] بناءً على أنه صفة له بالصلة وهي { لِقَوْمٍ } على تقدير تعلقه بتنزيل أو بفصلت وبين الصلة وموصولها بالصفة أي { تَنزِيلَ } أو { فُصّلَتْ } و { لِقَوْمٍ } والجمع للمبالغة على حد قولك لمن يفرق بين أخوين : لا تفعل فإن التفريق بين الأخوان مذموم أو أراد لئلا يفرق بين الصلتين في الحكم مع عدم الموجب للتفريق وهو أن يتصل { مّنَ الرحمن } [ فصلت : 2 ] بموصوله ولا يتصل { لِقَوْمٍ يعملون }
وكذلك بين الصفتين وهو { عَرَبِيّاً } بموصوفه ولا يتصل { بَشِيراً } والجمع لذلك أيضاً . واختار أبو حيان كون الجار والمجرور صلة { فُصّلَتْ } وقال : يبعد تعلقه بتنزيل لكونه وصف قبل أخذ متعلقه إن كان { مّنَ الرحمن } في موضع الصفة أو أبدل منه { كِتَابٌ } أو كان خبراً لتنزيل فيكون في ذلك البدل من الموصول أو الإخبار عنه أخذه متعلقه وهو لا يجوز ولعل ذلك غير مجمع عليه ، وكون { بَشِيراً } صفة { قُرْءاناً } هو المشهور ، وجوز أن يكون مع ما عطف عليه حال من { كِتَابٌ } أو من { ءاياته } وقرأ زيد بن علي { بَشِيرٍ } ونذير برفعهما وهي رواية شاذة عن نافع على الوصفية لكتاب أو الخبرية لمحذوف أي هو بشير لأهل الطاعة ونذير لأهل المعصية { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ } عن تدبره وقبوله ، والضمير للقوم على المعنى الأول ليعلمون وللكفار المذكورين حكماً على المعنى الثاني ، ويجوز أن يكون للقوم عليه أيضاً بأن يراد به ما من شأنهم العلم والنظر { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } أي لا يقبلون ولا يطيعون من قولك : تشفعت إلى فلان فلم يسمع قولي ولقد سمعه ولكنه لما لم يقبله ولم يعمل بمقتضاه فكأنه لم يسمعه وهو مجاز مشهور .
وفي «الكشف » أن قوله تعالى : { فَأَعْرَضَ } مقابل قوله تعالى : { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [ فصلت : 3 ] وقوله سبحانه : { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } مقابل قوله جل شأنه : { بَشِيراً وَنَذِيراً } أي أنكروا إعجازه والإذعان له مع العلم ولم يقبلوا بشائره ونذره لعدم التدبر .
{ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } أي : بشيرًا بالثواب العاجل والآجل ، ونذيرًا بالعقاب العاجل والآجل ، وذكر تفصيلهما ، وذكر الأسباب والأوصاف التي تحصل بها البشارة والنذارة ، وهذه الأوصاف للكتاب ، مما يوجب أن يُتَلقَّى بالقبول ، والإذعان ، والإيمان ، والعمل به ، ولكن أعرض أكثر الخلق عنه إعراض المستكبرين ، { فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ } له سماع قبول وإجابة ، وإن كانوا قد سمعوه سماعًا ، تقوم عليهم به الحجة الشرعية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.