تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ} (5)

المفردات :

أكنة : أغطية سميكة متكاثفة ، والأكنة جمع كنان ، كأغطية وغطاء وزنا ومعنى .

وقر : صمم ، وأصله الثقل في السمع .

حجاب : ساتر مانع من الإجابة ، والمراد : خلاف في الدّين .

التفسير :

5-{ وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون } .

جهر الكفار هنا بترك دعوة الإسلام ، وعدم الإصغاء إليها بقلوبهم ، أو الاستماع إليها بآذانهم ، أو النظر فيها بعقولهم ، مع استهزائهم بالوعيد وتحدّيهم للرسول صلى الله عليه وسلم .

والمعنى :

إن قلوبنا في أغطية وحجاب سميك من دعوتك ، فلا تتفتح لها ولا تفقهها ، ولما كان القلب أداة الفهم ، والسمع والبصر وسائل التأمل ، أعلنوا أنهم معرضون بقلوبهم ، كما أن آذانهم صماء لا تسمع دعوة القرآن ، ولا تستجيب له ، وهناك حجاب معنوي حاجز بين دعوة الإسلام وبينهم ، فهم في واد والإسلام في واد آخر ، فاتركنا يا محمد في ديانتنا وعبادة أصنامنا ، واعمل أنت على منهج دينك ، إنا مستمرون وعاملون على طريقة ديننا ، في التزام عبادة الأصنام والأوثان ، وفي قولهم هذا مبارزة بالخلاف والتحدّي .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ} (5)

{ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ } أي أغطية متكاثفة { مّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } من الإيمان بالله تعالى وحده وترك ما ألفينا عليه آباءنا و { مِنْ } على ما في «البحر » لابتداء الغاية { وَفِى آذانِنَا وَقْرٌ } أي صمم وأصله الثقل .

وقرأ طلحة بكسر الواو وقرئ بفتح القاف { وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } غليظ يمنعنا عن التواصل ومن للدلالة على أن الحجاب مبتدأ من الجانبين بحيث استوعب ما بينهما من المسافة المتوسطة ولم يبق ثمت فراغ أصلاً .

وتوضيحه أن البين بمعنى الوسط بالسكون وإذا قيل : بيننا وبينك حجاب صدق على حجاب كائن بينهما استوعب أولاً ، وأما إذا قيل : من بيننا فيدل على أن مبتدأ الحجاب من الوسط أعني طرفه الذي يلي المتكلم فسواء أعيد { مِنْ } أو لم يعد يكون الطرف الآخر منتهى باعتبار ومبتدأ باعتبار فيكون الظاهر الاستيعاب لأن جميع الجهة أعني البين جعل مبتدأ الحجاب فالمنتهى غيره البتة ، وهذا كاف في الفرق بين الصورتين كيف وقد أعيد البين لاستئناف الابتداء من تلك الجهة أيضاً إذ لو قيل : ومن بيننا بتغليب المتكلم لكفى ، ثم ضرورة العطف على نحو بيني وبينك إن سلمت لا تنافي إرادة الإعادة له فتدبر ، وما ذكروه من الجمل الثلاث تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك الحق وقبوله ومج أسماعهم له وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وأرادوا بذلك إقناطه عليه الصلاة والسلام عن اتباعهم إياه عليه الصلاة والسلام حتى لا يدعوهم إلى الصراط المستقيم .

وذكر أبو حيان أنه لما كان القلب محل المعرفة والسمع والبصر معينان على تحصيل المعارف ذكروا أن هذه الثلاثة محجوبة عن أن يصل إليها مما يلقيه الرسول صلى الله عليه وسلم شيء ولم يقولوا على قلوبنا أكنة كما قالوا : وفي آذاننا وقر ليكون الكلام على نمط واحد في جعل القلوب والآذان مستقر الأكنة والوقر وإن كان أحدهما استقرار استعلاء والثاني استقرار احتواء إذ لا فرق في المعنى بين قلوبنا في أكنة وعلى قلوبنا أكنة والدليل عليه قوله تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } أن يفقهوه ولو قيل إنا جعلنا قلوبهم في أكنة لم يختلف المعنى فالمطابقة حاصلة من حيث المعنى والمطابيع من العرب لا يراعون الطباق والملاحظة إلا في المعاني ، واختصاص كل من العبارتين بموضعه للتفنن على أنه لما كان منسوباً إلى الله تعالى في سورة بني إسرائيل والكهف كان معنى الاستعلاء والقهر أنسب ، وههنا لما كان حكاية عن مقالهم كان معنى الاحتواء أقرب ، كذا حققه بعض الأجلة ودغدغ فيه ، وتفسير الأكنة بالأغطية هو الذي عليه جمهور المفسرين فهي جمع كنان كغطاء لفظاً ومعنى : وقيل : هي ما يجعل فيها السهام .

أخرج عبد بن حميد . وابن المنذر عن مجاهد أنه قال في قوله تعالى : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ } قالوا كالجعبة للنبل { فاعمل } على دينك وقيل في إبطال أمرنا { إِنَّنَا عاملون } على ديننا وقيل : في إبطال أمرك والكلام على الأول متاركة وتقنيط عن اتباعه عليه الصلاة والسلام ، ومقصودهم أننا عاملون ، والأول : توطئة له ، وحاصل المعنى أنا لا نترك ديننا بل نثبت عليه كما نثبت على دينك ، وعلى الثاني : هو مبارزة بالخلاف والجدال ، وقائل ما ذكر أبو جهل ومعه جماعة من قريش .

ففي خبر أخرجه أبو سهل السري من طريق عبد القدوس عن نافع بن الأزرق عن ابن عمر عن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية أقبلت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : ما يمنعكم من الإسلام فتسودوا العرب ؟ فقالوا : يا محمد ما نفقه ما تقول ولا نسمعه وان على قلوبنا لغلفا وأخذ أبو جهل ثواباً فمده فيما بينه وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال : يا محمد قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ، وفيه فلما كان من الغد أقبل منهم سبعون رجلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد اعرض علينا الإسلام فلما عرض عليهم الإسلام أسلموا عن آخرهم فتبسم النبي عليه الصلاة والسلام وقال : الحمد الله بالأمس تزعمون أن على قلوبكم غلفا وقلوبكم في أكنة مما أدعوكم إليه وفي آذانكم وقرأ وأصبحتم اليوم مسلمين فقالوا : يا رسول الله كذبنا والله بالأمس لو كذلك ما اهتدينا أبداً ولكن الله تعالى الصادق والعباد الكاذبون عليه وهو الغني ونحن الفقراء إليه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ} (5)

{ وَقَالُوا } أي : هؤلاء المعرضون عنه ، مبينين عدم انتفاعهم به ، بسد الأبواب الموصلة إليه : { قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ } أي : أغطية مغشاة { مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ } أي : صمم فلا نسمع لك { وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } فلا نراك .

القصد من ذلك ، أنهم أظهروا الإعراض عنه ، من كل وجه ، وأظهروا بغضه ، والرضا بما هم عليه ، ولهذا قالوا : { فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } أي : كما رضيت بالعمل بدينك ، فإننا راضون كل الرضا ، بالعمل في ديننا ، وهذا من أعظم الخذلان ، حيث رضوا بالضلال عن الهدى ، واستبدلوا الكفر بالإيمان ، وباعوا الآخرة بالدنيا .