مخلصا له ديني : طاعتي وعبادتي .
14- { قل الله أعبد مخلصا له ديني } .
تتدرج الآيات وتتابع في تأكيد توحيد الله وحده ، وإخلاص العبادة له ، وترك عبادة ما عبده الآباء والأجداد ، والهلع والخوف من التقرب للأصنام ، فإن ذلك شرك ، يعرض صاحبه لعذاب يوم القيامة ، وأهوال هذا اليوم العظيم ، وفي قمة هذا التوجّه نجد هذه الآية ، وخلاصتها : إني أعبد الله لذات الله ، لا خوفا من النار ، ولا طمعا في الجنة ، وإنما عبادة له لذاته ، وإخلاصا لوجهه ، لا رياء في عبادتي لله ولا سمعة ، ولا ميل لغيره ولا إشراك .
وكان من دعاء المؤمنين في الحج ، والنبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره
في معنى الآية قوله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } . ( البينة : 5 ) .
وكان من دعاء رابعة العدوية : إلهي . . . غارت النجوم ، ونامت العيون ، وبقيت أنت يا حيّ يا قيوم ، إلهي . . . أغلقت الملوك أبوابها ، وسكن كل حبيب إلى حبيبه ، إلهي فأنت حبيبي ، ولو طردتني عن بابك ما طُردت لعلمي بعظيم فضلك ، وعميم جودك ، إلهي . . إن كنت أعبدك شوقا إلى الجنة فاحرمني منها ، وإن كنت أعبدك خوفا من النار فأحرقني بها ، وإن كنت أعبدك لك ذاتك لأنك تستحق العبادة ، فلا تحرمني من نور وجهك الكريم يا رب العالمين .
أحبك حبين حبّ الهوى وحبّ لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوى فشغلي بذكرك عمّن سواكا
وأمّا الذي أنت أهل له فكشفك لي الحجب حتى أراكا
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
وقد بدأ أبو حامد الغزالي باب الإخلاص في كتاب " إحياء علوم الدّين " بقوله : أما بعد . . فالناس هلكى إلا العاملين ، والعاملون هلكى إلا المخلصين ، والمخلصون على خطر عظيم .
وبيّن أبو حامد الغزالي أن الإخلاص هو أكسير العبادة ، وروحها وسرُّ قبولها ، والإخلاص هو التوجّه إلى الله وحده بالعمل ، بدون رياء ولا سمعة ، وإذا عظّم الإخلاص في قلب المؤمن أصبح يقينا بأن المطلع عليه هو الله وحده ، فلا يلقي بالا لمن يراه من الناس ، بل يعظّم توجهه وإخلاصه ، ويقينه بأن الله حسبه وكافيه ، وهذه مرتبة الإحسان ، وهي أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
وفي الحديث القدسي يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله عز وجل : ما تقرب عبدي إلي بشيء أحبّ إلي من أداء ما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي عليها ، ولئن دعاني لأجيبنه ، ولئن سألني لأعطينه . . . " {[588]}
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قل} لهم يا محمد {الله أعبد مخلصا} موحدا {له ديني}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لمشركي قومك: الله أعبد مخلصا، مفردا له طاعتي وعبادتي، لا أجعل له في ذلك شريكا، ولكني أُفرده بالألوهة، وأبرأ مما سواه من الأنداد والآلهة، فاعبدوا أنتم أيها القوم ما شئتم من الأوثان والأصنام، وغير ذلك مما تعبدون من سائر خلقه، فستعلمون وبال عاقبة عبادتكم ذلك إذا لقيتم ربكم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
إن قلت: ما معنى التكرير في قوله: {قُلْ إِنّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله مُخْلِصاً لَّهُ الدين} وقوله: {قُلِ الله أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي} قلت: ليس بتكرير؛ لأنّ الأوّل إخبار بأنه مأمور من جهة الله بإحداث العبادة والإخلاص.
والثاني: إخبار بأنه يختص الله وحده دون غيره بعبادته مخلصاً له دينه؛ ولدلالته على ذلك قدّم المعبود على فعل العبادة وأخره في الأوّل، فالكلام أوّلاً واقع في الفعل نفسه وإيجاده، وثانياً فيمن يفعل الفعل لأجله؛ ولذلك رتب عليه قوله: {فاعبدوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ}...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
تقديم الجلالة دال على الاهتمام بمن يعبد..
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما بين ما أمر به وأعلم أنه يخاف من مخالفة الأمر له بذلك فأفهم أنه ممتثل لما أمر به، أمره سبحانه بأن يصرح بذلك؛ لأن التصريح من المزية ما لا يخفى فقال:
{قل الله} أي المحيط بصفات الكمال وحده.
{أعبد} تخصيصاً له بذلك، لا أنحو أصلاً بالعبادة نحو غيره أبداً.
{مخلصاً له} وحده {ديني} أي امتثالاً لما أمرت به فلا أشينه بشائبة أصلاً لا طلباً لجنّة ولا خوفاً من نار؛ فإنه قد غفر لي ما تقدم وما تأخر، فصارت عبادتي لأجل وجهه وكونه مستحقاً للعبادة خاصة شوقاً إليه وحباً له وحياء منه، وأما الرغبة فيما عنده سبحانه والخوف من سطواته التي جماعها قطع الإحسان الذي هو عند الأغبياء أدنى ما يخاف؛ فإنما خوفي لأجل إعطاء المقام حقه من ذل العبودية وعز الربوبية...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{قُلِ الله أَعْبُدُ} لا غيرَه، لا استقلالاً ولا اشتراكاً {مُخْلِصاً لهُ دِينِي} من كلِّ شَوْبٍ. أُمر عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أوَّلاً ببيان كونِه مأموراً بعبادةِ الله تعالى وخلاصِ الدِّينِ له ثمَّ بالإخبارِ بخوفِه من العذابِ على تقديرِ العصيانِ ثمَّ بالإخبارِ بامتثاله بالأمرِ على أبلغِ وجِه وآكدِه إظهاراً لتصلُّبه في الدِّينِ وحسماً لأطماعِهم الفارغةِ وتمهيداً لتهديدِهم بقوله تعالى {فاعبدوا مَا شِئْتُمْ}...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
أمر بأن يعيد التصريح بأنه يعبد الله وحده تأكيداً لقوله: {قل إني أُمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين} لأهميته، وإن كان مفاد الجملتين واحداً.
ولما بين ما أمر به ، وأعلم أنه يخاف من مخالفة الأمر له بذلك فأفهم أنه ممتثل لما أمر به ، أمره سبحانه بأن يصرح بذلك لأن التصريح من المزية ما لا يخفى فقال : { قل الله } أي المحيط بصفات الكمال وحده { أعبد } تخصيصاً له بذلك ، لا أنحو أصلاً بالعبادة نحو غيره أبداً { مخلصاً له } وحده { ديني * } أي امتثالاً لما أمرت به فلا أشينه بشائبة أصلاً لا طلباً لجنّة ولا خوفاً من نار فإنه قد غفر لي ما تقدم وما تأخر ، فصارت عبادتي لآجل وجهه وكونه مستحقاً للعبادة خاصة شوقاً إليه وحباً له وحياء منه ، وأما الرغبة فيما عنده سبحانه والخوف من سطواته التي جماعها قطع الإحسان الذي هو عند الأغبياء أدنى ما يخاف فإنما خوفي لأجل إعطاء المقام حقه من ذل العبودية وعز الربوبية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.