تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{قُلِ ٱللَّهَ أَعۡبُدُ مُخۡلِصٗا لَّهُۥ دِينِي} (14)

المفردات :

مخلصا له ديني : طاعتي وعبادتي .

التفسير :

14- { قل الله أعبد مخلصا له ديني } .

تتدرج الآيات وتتابع في تأكيد توحيد الله وحده ، وإخلاص العبادة له ، وترك عبادة ما عبده الآباء والأجداد ، والهلع والخوف من التقرب للأصنام ، فإن ذلك شرك ، يعرض صاحبه لعذاب يوم القيامة ، وأهوال هذا اليوم العظيم ، وفي قمة هذا التوجّه نجد هذه الآية ، وخلاصتها : إني أعبد الله لذات الله ، لا خوفا من النار ، ولا طمعا في الجنة ، وإنما عبادة له لذاته ، وإخلاصا لوجهه ، لا رياء في عبادتي لله ولا سمعة ، ولا ميل لغيره ولا إشراك .

وكان من دعاء المؤمنين في الحج ، والنبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره

لبيك حقا حقا تعبدا ورقا

في معنى الآية قوله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } . ( البينة : 5 ) .

وكان من دعاء رابعة العدوية : إلهي . . . غارت النجوم ، ونامت العيون ، وبقيت أنت يا حيّ يا قيوم ، إلهي . . . أغلقت الملوك أبوابها ، وسكن كل حبيب إلى حبيبه ، إلهي فأنت حبيبي ، ولو طردتني عن بابك ما طُردت لعلمي بعظيم فضلك ، وعميم جودك ، إلهي . . إن كنت أعبدك شوقا إلى الجنة فاحرمني منها ، وإن كنت أعبدك خوفا من النار فأحرقني بها ، وإن كنت أعبدك لك ذاتك لأنك تستحق العبادة ، فلا تحرمني من نور وجهك الكريم يا رب العالمين .

ومن شعرها :

أحبك حبين حبّ الهوى وحبّ لأنك أهل لذاكا

فأما الذي هو حب الهوى فشغلي بذكرك عمّن سواكا

وأمّا الذي أنت أهل له فكشفك لي الحجب حتى أراكا

فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ولكن لك الحمد في ذا وذاكا

وقد بدأ أبو حامد الغزالي باب الإخلاص في كتاب " إحياء علوم الدّين " بقوله : أما بعد . . فالناس هلكى إلا العاملين ، والعاملون هلكى إلا المخلصين ، والمخلصون على خطر عظيم .

وبيّن أبو حامد الغزالي أن الإخلاص هو أكسير العبادة ، وروحها وسرُّ قبولها ، والإخلاص هو التوجّه إلى الله وحده بالعمل ، بدون رياء ولا سمعة ، وإذا عظّم الإخلاص في قلب المؤمن أصبح يقينا بأن المطلع عليه هو الله وحده ، فلا يلقي بالا لمن يراه من الناس ، بل يعظّم توجهه وإخلاصه ، ويقينه بأن الله حسبه وكافيه ، وهذه مرتبة الإحسان ، وهي أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .

وفي الحديث القدسي يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله عز وجل : ما تقرب عبدي إلي بشيء أحبّ إلي من أداء ما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي عليها ، ولئن دعاني لأجيبنه ، ولئن سألني لأعطينه . . . " {[588]}


[588]:وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضت عليه: تقدم تخريجه، انظر هامش (74).