تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ} (44)

تلاوة القرآن وإقامة الصلاة

{ خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين ( 44 ) اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون( 45 ) } .

المفردات :

بالحق : بالعدل والقسط ، أو بحكمته وقدرته المنزهة عن العبث .

لآية : علامة ودلالة .

التفسير

44- { خلق الله السماوات والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين } .

خلق الله السماوات والأرض خلقا مقترنا بالحق ، لم يخلقهما عبثا بل خلقهما لحكمة إلهية سامية ، هي أن يخلق الإنسان ، وأن يجعله خليفة في الأرض ، وأن يمنحه العقل والإرادة والاختيار ، وأن يرسل إليه الرسل ، وينزل إليه الكتب ، فمن أطاع فله الجنة ، ومن عصى وأعرض وطغى وبغى فله النار .

{ إن في ذلك لآية للمؤمنين }

في خلق السماء مرفوعة مزينة بالنجوم ، والشمس والقمر والبروج والأفلاك والأملاك ، وخلق الأرض وفيها الجبال والبحار والأنهار ، والنبات والفضاء والهواء ، لدلائل واضحة للمؤمنين بالله ، الذي يتأملون في خلق الله ، ويستدلون بالصنعة على الصانع ، قال تعالى :

{ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب* الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار } [ آل عمران : 190 ، 191 ] .

وقال تعالى : { لتجزى كل نفس بما تسعى } [ طه : 15 ] .

وقال سبحانه وتعالى : { ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى } [ النجم : 31 ] .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ} (44)

ولما قدم أنه لا معجز له سبحانه ، ولا ناصر لمن أخذه ، وصحح ذلك بالمشاهدة في القرون البائدة ، وقربه إلى الأذهان بالمثل المستولي على غاية البيان ، وختم ذلك أنه حجب فهمه عن أكثر خلقه ، دل على ذلك كله بقوله مظهراً لقوته وسائر صفات كماله ، بعد ما حقق أن أولياءهم في أنزل مراتب الضعف { خلق الله } أي الذي لا يداني في عظمة ولا جلال ، ولا جمال ولا كمال { السماوات والأرض بالحق } أي الأمر الذي يطابقه الواقع ، أو بسبب إظهار أن الواقع يطابق إخباره ، أو بسبب إثبات الحق وإبطال الباطل ، فلا تجد أحداً يفهم عنه حق الفهم مع تساويهم في الإنسانية إلا وهو من أهل السكينة ، والإخبات والطمأنينة ، ولا يعجزه أحد يريد أخذه ، ولا يفلح أحد عصى أنبياءه ، فبانت عزته ، وظهرت حكمته ، فطابق الواقع ما أخبر به ، وأيضاً فالأمثال إنما تكون بالمحسوسات ، وهي إما سماوية أو أرضية ، فإيجاد هذه الموجودات إنما هو لأجل العلم بالله تعالى .

ولما كان المراد بالعالم قد يخفي ، بينه بقوله مشيراً بالتأكيد إلى أن حالهم في عدم الانتفاع بالنظر فيها حال من ينكر أن يكون فيها دلالة : { إن في ذلك } أي الأمر العظيم من تأملهم لمطابقة الواقع لإخباره سبحانه ، فلا يخبر بشيء إلا كان الواقع منهما أو مما فيهما يطابقه سواء بسواء { لآية } أي دلالة مسعدة { للمؤمنين* } أي الذين هم العالمون في الحقيقة ، حداهم علمهم بما في الكونين من المنافع المترتبة على النظام المعروف مع ما في خلقهما أنفسهما مع كبر الأجرام وبديع الإحكام ، على الإيمان بجميع ما أخبر به حتى لم يكن عندهم نوع شك ، وصار لهم صفة لا تنفك .