تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلۡأَرۡضُ عَنۡهُمۡ سِرَاعٗاۚ ذَٰلِكَ حَشۡرٌ عَلَيۡنَا يَسِيرٞ} (44)

36

المفردات :

تشقق : تتصدع .

سراعا : مسرعين .

حشر : جمع بعد البعث .

يسير : سهل هين .

التفسير :

44- { يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير } .

يوم تتصدع الأرض ، وتتشقق عن أجسادهم ، فيقومون لفصل القضاء ، ويسيرون مسرعين ، ذلك الحشر والجمع هين يسير علينا ، فلا يعجزنا شيء ، فقدرتنا لا حدود لها .

{ إن الله على كل شيء قدير } . ( البقرة : 20 ) .

أي : مع شدة التفرق ، وتناثر الأشلاء ، وتمزق بعض الناس ، وتحلل البعض إلى تراب ، كل ذلك جمعه وبعثه وحسابه وجزاؤه هين يسير على الله .

قال تعالى : { كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين } . ( الأنبياء : 104 ) .

وانشقاق الأرض وإلقاء ما فيها ورد في القرآن الكريم مرارا على أنه من مظاهر القيامة وأهوالها .

قال تعالى : { وإذا الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت } . ( الانشقاق : 3 ، 4 ) .

وقال عز شأنه :

{ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ( 1 ) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ( 2 ) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا ( 3 ) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ( 4 ) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ( 5 ) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ( 6 ) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ( 7 ) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ( 8 ) }

( الزلزلة : 1-8 ) .

وقراءة حفص : { تشقق } . أي : تنشق الأرض ، ويخرج الموتى من بطونها ، وتعود الحياة إليهم ، ثم يذهبون مسرعين لفصل القضاء في شئونهم ، وفي قراءة أخرى بتشديد الشين : تشقّق ، أي : يشتد تشققها واضطرابها وزلزالها ، ومن مظاهر القيامة تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وانشقاق السماء على غلظها ، وتعلق الملائكة بأرجائها . وسير الجبال ، واستواء أرض المحشر فتصبح أرضا مستوية ، لا ارتفاع فيها ولا انخفاض .

قال تعالى : { ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا * فيذرها قاعا صفصفا * لا ترى فيها عوجا ولا أمتا * يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا } . ( طه : 105- 108 ) .

وقال سبحانه : { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار } . ( إبراهيم : 48 ) .

وقال عز شأنه : { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } . ( الزمر : 27 ) .

وكل ذلك يدل على نهاية هذا الكون ، وتبدل ما فيه ، وانتهاء حياته ، وتغيير نواميس الكون بنواميس جديدة وضعها الله لهذه الحياة الآخرة ، فتنطفئ جذوة الشمس ، ويصيب القمر الخسوف ، وتنكدر النجوم ، وتسجَّر البحار فتصبح نار الله الكبرى ، ويمسك الله تعالى الأرض بشماله ، والسماوات بيمينه -وكلتا يديه يمين –

ويقول : أنا الملك ، أنا الديان ، أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟

فذلك قوله تعالى : { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } . ( الزمر : 67 ) .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلۡأَرۡضُ عَنۡهُمۡ سِرَاعٗاۚ ذَٰلِكَ حَشۡرٌ عَلَيۡنَا يَسِيرٞ} (44)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ذلك حشر علينا يسير} يعني جمع الخلائق علينا هين...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"تَشَقّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ "يقول: تصدّع الأرض عنهم.

وقوله "سِرَاعا" ونُصبت سراعا على الحال من الهاء والميم في قوله عنهم. والمعنى: يوم تشقّق الأرض عنهم فيخرجون منها سراعا، فاكتفى بدلالة قوله: "يَوْمَ تَشَقّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ" على ذلك من ذكره.

وقوله: "ذلكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ" يقول: جمعهم ذلك جمع في موقف الحساب، علينا يسير سهل.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{يوم تشقّق الأرض عنهم سِراعًا} يحتمل أن يكون ما ذكر من السِّراع، هو صفة تشقّق الأرض؛ كأنه يقول: يوم تشقّق سِراعا لا تنتظر طرفة عين، ولكن تتشقّق أسرع من لمحة البصر. ويحتمل أن يكون وصف سرعة خروجهم من الأرض؛ يقول: يوم يُسرعون بالخروج من الأرض.

وقوله تعالى: {ذلك حشرٌ علينا يسير} وغير الحشر يسير على الله تعالى أيضا؛ ليس شيء أيسر عليه من شيء، لكن خصّ ذلك بالذكر، لأن أولئك الكفرة استبعدوا ذلك اليوم، واستعظموا كونه، فخصّ ذلك اليوم باليُسر لهذا...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{يوم تشقق الأرض} وعبر بفعل المطاوعة لاقتضاء الحال له، وحذف تاء المطاوعة إشارة إلى سهولة الفعل وسرعته {عنهم} أي مجاوزة لهم بعد أن كانوا في بطنها فيخرجون منها أحياء كما كانوا على ظهرها أحياء، حال كونهم {سراعاً} إلى إجابة مناديها، وأشار إلى عظمه بقوله: {ذلك} أي الإخراج العظيم جداً {حشر} أي جمع بكره، وزاد في بيان عظمة هذا الأمر بدلالته على اختصاصه بتقديم الجار فقال: {علينا} أي خاصة {يسير} فكيف يتوقف عاقل فيه فضلاً عن أن ينكره، وأما غيرنا فلا يمكنه ذلك بوجه. انتهى.

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلۡأَرۡضُ عَنۡهُمۡ سِرَاعٗاۚ ذَٰلِكَ حَشۡرٌ عَلَيۡنَا يَسِيرٞ} (44)

ولما تحقق بذلك أمر البعث غاية التحقق ، صور خروجهم فيه فقال معلقاً بما ختم به الابتداء مما قبله زيادة في تفخيمه وتعظيمه وتبجيله : { يوم تشقق الأرض } وعبر بفعل المطاوعة لاقتضاء الحال له ، وحذف تاء المطاوعة إشارة إلى سهولة الفعل وسرعته { عنهم } أي مجاوزة لهم بعد أن كانوا في بطنها فيخرجون منها أحياء كما كانوا على ظهرها أحياء ، حال كونهم { سراعاً } إلى إجابة مناديها ، وأشا إلى عظمه بقوله : { ذلك } أي الإخراج العظيم جداً { حشر } أي جمع بكره ، وزاد في بيان عظمة هذا الأمر بدلالته على اختصاصه بتقديم الجار فقال : { علينا } أي خاصة { يسير * } فكيف يتوقف عاقل فيه فضلاً عن أن ينكره ، وأما غيرنا فلا يمكنه ذلك بوجه . انتهى .