تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَحَقَّ عَلَيۡنَا قَوۡلُ رَبِّنَآۖ إِنَّا لَذَآئِقُونَ} (31)

22

31- { فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون } .

من المفسرين من رأى أنها من كلام الأتباع : أي : اعترف الأتباع والضعفاء بأنهم اختاروا الضلال بأنفسهم ، فلزمهم ما ورد في القرآن الكريم : { قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } [ ص : 84 ، 85 ] .

ومن المفسرين من رأى أن الآية من كلام الرؤساء ، لأن ما قبلها وما بعدها من كلام القادة والرؤساء . أي : قال الرؤساء : لقد اخترنا الكفر بأنفسنا ، وسنتعرض للعذاب نحن وأنتم ، الرؤساء والأتباع ، وإذا كان من عدله أن يجازي كل نفس بما كسبت ، ويثيبها بما عملت ، فلا يلومنّ كلّ منا إلا نفسه ، ولا يلم بعضها بعضا ، ولا داعي للجدل والخصام والنكير ، فلا يُجنى من الشوك العنب ، ولا يعقب الضلال إلى النار .

وفي هذا المعنى يقول تعالى : { قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذا جاءكم بل كنتم مجرمين * وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون } . [ سبأ 33 ، 32 ] .

والقرآن الكريم بتكرار هذه المحاورة بين القادة والأتباع يفتح العيون والأبصار على حقائق القيامة ومشاهدها ، ويبيّن أن التبعة فردية ، وكل امرئ بما كسب رهين ، ولن يتحمل الكبار شيئا من وزر الصغار ، بل ينال الصغار الجزاء كاملا ، ثم ينال الكبار جزاء كفرهم من جهة ، وجزاء إضلال غيرهم من جهة أخرى .

قال تعالى : { وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون* وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون } . [ العنكبوت : 12 ، 13 ]

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَحَقَّ عَلَيۡنَا قَوۡلُ رَبِّنَآۖ إِنَّا لَذَآئِقُونَ} (31)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

قالت الشياطين: {فحق علينا قول ربنا} يوم قال لإبليس: {لأملأن جهنم منك}.

{إنا لذائقون}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"فحقّ علينا قول ربنا": فوجب علينا عذاب ربنا،

"إنا لذائقون" العذاب، نحن وأنتم، بما قدّمنا من ذنوبنا ومعصيتنا في الدنيا. فهذا خبر من الله عن قيل الجنّ والإنس...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وجب علينا "قول ربنا "بأنا لا نؤمن، ونموت على الكفر.

" إنا لذائقون "العذاب يعني، إنا ندركه كما ندرك المطعوم بالذوق.

معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :

{إنا لذائقون} العذاب: الضال والمضل جميعاً في النار.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{فَحَقَّ عَلَيْنَا} فلزمنا {قَوْلُ رَبّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} يعني: وعيد الله بأنا ذائقون لعذابه لا محالة، لعلمه بحالنا واستحقاقنا بها العقوبة...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فحق علينا} أي كلنا نحن وأنتم بسبب ذلك، وعبروا بما يدل على ندمهم فقالوا: {قول ربنا} أي الذي قابلنا إحسانه إلينا وتربيته لنا بالكفران، وقوله هو الحكم بالضلال لما في قلوبنا من القابلية له والإباء للإيمان، فالحكم بالعذاب.

ولما تصوروا ما صاروا إليه من الخطأ الفاحش عن الطريق الواضح، وعلموا أن مثل ذلك لا يتركه أحد إلا بقهر قاهر فتصوروا أنه ما قسرهم عليه إلا حقوق الكلمة العليا، علموا أنهم مثل ما صاروا إلى حكمها في الكفر يصيرون إلى حكمها في العذاب، فقالوا لما دهمهم من التحسر مريدين بالتأكيد قطع أطماع الأتباع عما أفهمه كلامهم من أن الرؤساء يغنون عنهم شيئاً: {إنا} أي جميعاً {لذائقون} أي ما وقع لنا به الوعيد من سوء العذاب.

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

لأجل أنا بطبعنا كنا قوما طاغين، وللكفر وتدسية أنفسنا مستعدين، وعن الإيمان بربنا معرضين- ثبت علينا وعيده بأنا ذائقو العذاب لا محالة، إذ كان من عدله أن يجازي كل نفس بما كسبت، ويثيبها بما عملت وهو الخبير بها وبما اجترحت.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

« حقّ» بمعنى ثبت، وحكي القول بالمعنى على طريقة الالتفات ولولا الالتفات لقال: إنكم لذائقون أو إنهم لَذَائِقُونَ، ونكتة الالتفات زيادة التنصيص على المعنيّ بذوق العذاب.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

... وتأمل قوله سبحانه: {إِنَّا لَذَآئِقُونَ} ولم يقولوا مُعذَّبون أو مُحرَّقون، لأن العذاب أو الإحراق يمكن أنْ ينتهي في وقت من الأوقات، أما الإذاقة فهي دائمة ومستمرة، وهذا المعنى واضح في قوله تعالى:

{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ} [النساء: 56].

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَحَقَّ عَلَيۡنَا قَوۡلُ رَبِّنَآۖ إِنَّا لَذَآئِقُونَ} (31)

" فحق علينا قول ربنا " هو أيضا من قول المتبوعين ، أي وجب علينا وعليكم قول ربنا ، فكلنا ذائقون العذاب ، كما كتب الله وأخبر على ألسنة الرسل " لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " [ السجدة : 13 ] . وهذا موافق للحديث : ( إن الله جل وعز كتب للنار أهلا وللجنة أهلا لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ) .