58 ، 59- { فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون * فارتقب إنهم مرتقبون } .
لقد يسرنا القرآن للذكر ، وأنزلناه بلسانك يا محمد باللغة العربية .
قال تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم . . . } ( إبراهيم : 4 ) .
ومن أسباب التقارب أن يكون الرسول بشرا مثل البشر ، وأن يتكلم بلغة قومه ولسانهم ، ليكون خبيرا بلغتهم وأفكارهم ؛ فيحاورهم ويناقشهم ، ويأخذوا عنه ويستفهموا منه ، والقلوب النظيفة هي التي تستجيب للهدى ، ودواعي الإيمان .
إنما أنزلنا القرآن عربيا مبينا على نبي عربي ، صاحب لسان عربي ، ولأمة عربية علّها أن تتفهم المراد ، وتعي دورها ومسئوليتها في فهم الذكر والتخلق بأخلاق القرآن وهديه .
قال تعالى : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم . . . } ( النحل : 44 ) .
فالرسول صلى الله عليه وسلم مهبط الوحي ، واختيار السماء ، وخاتم الرسل ، وبه خاطبت السماء الأرض ، ومن خلاله نزل وحي الله وكتابه الكريم ليكون خاتم الكتب ، ينزل على خاتم الرسل ، لعل قومه يتذكرون معاني الألوهية والتوحيد ، وشرف الإيمان بالوحي والاهتداء به وحمله إلى الناس .
قال تعالى : { وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون } . ( الزخرف : 44 ) .
قوله تعالى : " فإنما يسرناه بلسانك " يعني القرآن ، أي سهلناه بلغتك عليك وعلى من يقرؤه ( لعلهم يتذكرون ) أي يتعظون وينزجرون . ونظيره : " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " {[13768]} [ القمر : 17 ] فختم السورة بالحث على اتباع القرآن وإن لم يكن مذكورا ، كما قال في مفتتح السورة : " إنا أنزلناه في ليلة مباركة " [ الدخان : 3 ] ، " إنا أنزلناه في ليلة القدر " [ القدر : 1 ] على ما تقدم .
ولما قدم سبحانه في هذه السورة ما للقرآن{[57773]} من البركة بما اشتمل عليه من البشارة والندارة والجمع والفرق ، وذكرهم بما يقرون به من أنه مبدع هذا الكون مما يستلزم إقرارهم بتوحيده المستلزم ؛ لأنه يفعل ما يشاء من إرسال وإنزال وتنبيه وبعث وغير ذلك ، وهددهم بما لا يقدر عليه غيره من الدخان والبطشة ، وفعل بعض ذلك ، وذكرهم بما يعرفون من أخبار من مضى من قروم القرون وأنهم مع ذلك كله{[57774]} أنكروا البعث ، ثم ذكر ما يقتضي {[57775]}التحذير والتبشير{[57776]} - كل ذلك في أساليب فاتت كل المدى ، فأعجزت جميع القوى ، مع ما لها من المعاني الباهرة ، والبدائع الزاهرة القاهرة ، سبب عن قوله فذلكة للسورة{[57777]} : { فإنما يسرناه } أي جعلنا{[57778]} له يسراً عظيماً وسهولة كبيرة .
ولما كان الإنسان كلما زادت فصاحته وعظمت بلاغته ، كان كلامه أبين وقوله أعذب وأرصن وأرشق وأمتن ، وكان صلى الله عليه وسلم أفصح الناس وأبعدهم لذلك من التكلف ، أضافه إليه فقط فقال : { بلسانك } أي هذا{[57779]} العربي المبين وهم عرب تعجبهم{[57780]} الفصاحة { لعلهم يتذكرون * } أي ليكونوا عند من يراهم وهو عارف بلسانهم ممن شأنه كشأنهم على {[57781]}رجاء من أن يتذكروا{[57782]} أن هذا{[57783]} القرآن شاهد{[57784]} بإعجازه بصحة {[57785]}ما فيه{[57786]} من التوحيد والرسالة وغيرهما مما سبق إليك وجلى عليك وإلا لقدروا هم-{[57787]} وهم أفصح الناس على معارضة شيء منه فيتذكروا ما غفلوا عنه من أنه عزيز بإهلاكه الجبابرة ، وأنه حكيم بنصبه الآيات لأنبيائه وتأييدهم بالمعجزات ، ومن أن الكبير منهم لا يرضى أن يطعن أحد في كبريائه ولا أن يترك من له عليه حكم وهو تحت قهره أن يبغي بعضهم على بعض ثم لا ينصر المظلوم منهم على ظالمه ويأخذ بيده حتى لا يستوي المحسن بالمسيء ، فإذا تذكروا ذلك مع ما يعرفون من قدرة الملك وكبريائه وحكمته علموا قطعاً أنه لا بد من البعث للتمييز بين أهل الصلاح والفساد ، والفصل بين جميع العباد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.