تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰۖ وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ} (56)

43

المفردات :

ووقاهم : وحفظهم .

التفسير :

56 ، 57- { لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم * فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم } .

أهل الجنة في شباب دائم ، وصحة دائمة ، لا يدركهم النوم ولا الموت ، بل هم خالدون في الجنة بفضل الله ونعمائه ، لقد ماتوا في الدنيا عن شهواتهم وملذاتهم ، وصاموا عن المحرمات ، والتزموا مرضات الله ، وسَمَتْ أرواحهم لأن تكون من أهل الجنة ، وقد أدركهم الموت في الدنيا مرة واحدة ، فإذا دخلوا الجنة فهم في نعيم دائم ، وخلود بلا موت لا يخرجون من الجنة ولا يموتون ، وقد حفظهم الله من عذاب الجحيم ، فضلا من الله ونعمة ، إن هذا يحصل عليه أهل الجنة هو الفوز العظيم ، وأي فوز أعظم من نعيم الجنة والوقاية من عذاب النار .

أخرج الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يقال لأهل الجنة : إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا ، وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا ، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا )11 .

وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يؤتى بالموت في صورة كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، ثم يذبح ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت )12 .

إن هذا النعيم فضل من الله ونعمة ، وثواب ومنحة ، وهو فوز عظيم لأهل الجنة ، وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لن يدخل أحدكم الجنة عمله ) ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ( ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمته )13 .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰۖ وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ} (56)

وقاهم : جنّبهم وأبعدهم عن العذاب .

ثم بين أن حياتهم في هذا النعيم دائمة ، وقد نجّاهم الله من العذاب الأليم

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰۖ وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ} (56)

قوله تعالى : " لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى " أي لا يذوقون فيها الموت البتة ؛ لأنهم خالدون فيها . ثم قال : " إلا الموتة الأولى " على الاستثناء المنقطع ، أي لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا . وأنشد سيبويه :

من كان أسرعَ في تفرُّق فالج *** فلَبُونُه جَرِبَتْ معًا وأغدَّتِ{[13766]}

ثم استثنى بما ليس من الأول فقال :

إلا كناشرةَ الذي ضيعتُمُ *** كالغصن في غُلَوائه المتنبِّتِ

وقيل : إن " إلا " بمعنى بعد ، كقولك : ما كلمت رجلا اليوم إلا رجلا عندك ، أي بعد رجل عندك . وقيل : " إلا " بمعنى سوى ، أي سوى الموتة التي ماتوها في الدنيا ، كقوله تعالى : " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف " {[13767]} [ النساء : 22 ] . وهو كما تقول : ما ذقت اليوم طعاما سوى ما أكلت أمس . وقال القتبي : " إلا الموتة الأولى " معناه أن المؤمن إذا أشرف على الموت استقبلته ملائكة الرحمة ويلقى الروح والريحان ، وكان موته في الجنة لاتصافه بأسبابها ، فهو استثناء صحيح . والموت عرض لا يذاق ، ولكن جعل كالطعام الذي يكره ذوقه ، فاستعير فيه لفظ الذوق .


[13766]:في كتاب سيبويه: * من كان أشرك* والقائل هو عنز بن دجاجة المازني. وفالج هذا: هو فالج بن مازن بن مالك. سعى عليه بعض بني مازن وأساء إليه حتى رحل عنهم، ولحق ببني ذكوان بن بهثة فنسب إليهم. وكانت بنو مازن قد ضيقوا على رجل منهم يسمى "ناشرة" حتى انتقل عنهم إلى بني أسد، فدعا هذا الشاعر المازني على بني مازن حيث اضطروه فألجىء إلى الخروج عنهم. واستثنى "ناشرة" منهم؛ لأنه لم يرض فعلهم، ولأنه قد امتحن محنة "فالج" بهم. واللبون: ذوات اللبن، وتقع للواحد والجماعة. ومعنى "أغدت" صارت فيها الغدة، وهي من أدواء الإبل كالذبحة. والغلواء: النماء والارتفاع. والمتنبت: المنمى والمغذى. ويروى بكسر الباء، ومعناه النابت النامي. (عن شرح الشواهد).
[13767]:آية 22 سورة النساء.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰۖ وَوَقَىٰهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ} (56)

ولما ذكر الأمان ، وكان أخوف ما يخاف أهل الدنيا{[57721]} الموت ، قال : { لا يذوقون فيها } أي{[57722]} الجنة{[57723]} { الموت } أي لا يتجدد لهم أوائل استطعامه فكيف بما وراء ذلك . ولما كان المراد نفي ذلك على وجه يحصل معه القطع بالأمن{[57724]} على أعلى الوجوه ، وكان الاستثناء معيار العموم ، وكان من المعلوم أن ما كان في الدنيا من ذوق الموت الذي هو معنى من المعاني قد استحال عوده ، قال معللاً معلقاً على هذا المحال{[57725]} : { إلا الموتة } ولما كان المعنى مع إسناد{[57726]} الذوق إليهم لا يلبس ؛ لأن ما قبل نفخ الروح ليس مذوقاً ، عبر بقوله : { الأولى } وقد أفهم التقييد بالظرف أن النار يذاق فيها الموت ، والوصف بالأولى أن المذوق موتة ثانية ، فكان كأنه قيل : لكن غير المتقين ممن كان عاصياً فيدخل النار فيذوق فيها موتة أخرى - كما جاء في الأحاديث الصحيحة ، ويجوز أن يجعل وصف المتقين أعم من الراسخين وغيرهم ، فيكون الحكم على المجموع ، أي أن الكل لا يذوقون ، وبعضهم - وهم من أراد الله من العصاة - يذوقونه في غيرها وهو النار ، ويجوز أن تكون الموتة الأولى كانت في الجنة المجازية فلا يكون تعليقاً بمحال ، وذلك أن المتقي لم يزل فيها في الدنيا مجازاً بما له من التسبب وبما سبق من{[57727]} حكم الله له بها ، قال صلى الله عليه وسلم{[57728]} : " المؤمن إذا عاد أخاه لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع ، قيل{[57729]} : وما خرفة الجنة ؟ قال : جناها " " وإذا مررتم برياض الجنة فارتعوا " وكذا المحكوم له بما هو فيها عند الموت وبعده بما له من التمتع بالنظر ونحوه من الأكل للشهداء وغير ذلك مما ورد في الأخبار الصحيحة ، ومن ذلك ما رواه{[57730]} البخاري عن أنس رضي الله عنه أن عمه النضر رضي الله عنه قال يوم أحد : يا سعد{[57731]} بن معاذ الجنة ورب النضر إني لأجد{[57732]} ريحها من دون أحد ، ثم قاتل حتى قتل . ثم يكون تمام ذلك النعيم بالجنة بعد البعث ، قال ابن برجان : الدنيا إذا تحققت في حق المؤمن المتقي وتتبع النظر فيها فإنها جنة صغرى لتوليه {[57733]}سبحانه إياهم{[57734]} فيها وقربه منهم ونظره إليهم وذكرهم له وعبادتهم إياه وشغلهم به وهو معهم أينما كانوا .

ولما كان السياق للمتقين قال : { ووقاهم } أي جملة{[57735]} المتقين {[57736]}في جزاء ما اتقوه{[57737]} { عذاب الجحيم * } أي التي تقدم إصلاء{[57738]} الأثيم لها ، وأما غير المتقين من العصاة فيدخل الله من أراد منهم النار فيعذب كلاًّ منهم على قدر ذنوبه ثم يميتهم [ فيها-{[57739]} ] ويستمرون إلى أن يأذن الله في الشفاعة فيهم فيخرجهم ثم يحييهم بما يرش عليهم أهل الجنة من ماء الحياة ، روى الإمام أحمد في مسنده{[57740]} ومسلم في الإيمان{[57741]} من صحيحه وابن حبان في الشفاعة من سننه والدارمي{[57742]} في صفة الجنة والنار من سننه المشهور بالمسند ، وابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال{[57743]} : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما أهل النار الذين هم أهلها " - وقال الدارمي : الذين هم للنار - " فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، ولكن ناس منكم{[57744]} أصابتهم النار بذنوبهم " ، - أو قال : " بخطاياهم - فأماتهم الله إماتة " ، وقال الإمام أحمد : " فيميتهم إماتة " ، وقال-{[57745]} الدارمي{[57746]} : " فإن النار تصيبهم على قدر ذنوبهم فيحرقون فيها حتى إذا كانوا فحماً أذن في الشفاعة فجيء{[57747]} بهم " وقال الدارمي{[57748]} : " فيخرجون من النار ضبائر ضبائر فنبتوا على أنهار الجنة ، ثم قيل : يا أهل الجنة ، أفيضوا عليهم ، فينبتون " ، وقال الدارمي{[57749]} فتنبت لحومهم نبات {[57750]}الحبة في حميل السيل . الضبائر{[57751]} قال عبد الغافر الفارسي{[57752]} في مجمع الرغائب : جمع ضبارة مثل عمارة وعمائر : جماعات الناس ، وروى أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يدخل ناس في النار حتى إذا صاروا فحماً أدخلوا الجنة ، فيقول أهل الجنة : من هؤلاء ؟ ، فيقال : هؤلاء الجهنميون " ، ولأحمد بن منيع عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه [ عن النبي صلى الله عليه وسلم-{[57753]} ] قال : " يوضع الصراط " فذكر شفاعة المؤمنين في إخوانهم بعد جواز الصراط وإذن [ الله-{[57754]} ] لهم في إخراجهم ، قال{[57755]} : " فيخرجونهم منها فيطرحونهم في ماء الحياة فينبتون نبات{[57756]} الزرع{[57757]} في غثاء{[57758]} السيل{[57759]} " ، ولابن أبي عمر عن{[57760]} عبيد بن عمير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يخرج الله قوماً من النار بعد ما امتحشوا فيها وصاروا فحماً فيلقون{[57761]} في نهر على باب الجنة يسمى نهر الحياة ، فينبتون فيه كما تنبت {[57762]}الحبة في حميل السيل{[57763]} - أو كما تنبت الثعارير - فيدخلون الجنة ، فيقال : هؤلاء عتقاء الرحمن " الثعارير - بالثاء المثلثة والعين والراء المهملتين : نبات{[57764]} كالهليون ، وروى الترمذي - وقال : حسن صحيح - وروي من غير وجه عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" يعذب ناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا فيها حمماً ثم تدركهم الرحمة [ فيخرجون-{[57765]} ] ويطرحون على أبواب الجنة فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبتون كما تنبت الغثاء{[57766]} في حمالة السيل{[57767]} ثم يدخلون الجنة " .


[57721]:ومن هنا استأنفت نسخة مد.
[57722]:زيد في الأصل: دار النعيم وهي، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[57723]:زيد في الأصل: لا يعود إليهم.ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[57724]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: بالأمل.
[57725]:زيد في الأصل: إنه لا يعود، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[57726]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: استناد.
[57727]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: له في.
[57728]:راجع مسند أحمد5/277.
[57729]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: فسيل.
[57730]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: روى.
[57731]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: سعيد.
[57732]:في م ومد: أجد.
[57733]:من م مد، وفي الأصل و ظ: إياهم سبحانه.
[57734]:من م مد، وفي الأصل و ظ: إياهم سبحانه.
[57735]:سقط من ظ و م ومد.
[57736]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[57737]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[57738]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: أصل و-كذا.
[57739]:زيد من ظ و م ومد.
[57740]:راجع3/380.
[57741]:زيدت الواو في الأصل و ظ ولم تكن في م ومد فحذفناها.
[57742]:راجع مسنده ص: 380.
[57743]:سقط من مد.
[57744]:من م ومد، وفي الأصل و ظ:منهم.
[57745]:زيد من م ومد.
[57746]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الرازي.
[57747]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: فيحي.
[57748]:زيد من م ومد.
[57749]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: العاري.
[57750]:من ظ و م و مد، وفي الأصل: الجنة في حمل السنبلة.
[57751]:من ظ و م و مد، وفي الأصل: الجنة في حمل السنبلة.
[57752]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: العاري.
[57753]:زيد من م و مد.
[57754]:زيد من م ومد.
[57755]:زيد من م ومد.
[57756]:زيد من ظ و م ومد.
[57757]:في مد: الزرعة.
[57758]:زيد من ظ و م ومد.
[57759]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: السنبل.
[57760]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: ابن.
[57761]:زيد في الأصل: على باب الجنة فيلقون، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[57762]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الجنة في حمل السنبل.
[57763]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الجنة في حمل السنبل.
[57764]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: نباتا.
[57765]:زيد من م ومد.
[57766]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: العليا.
[57767]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: السنبل.