38- { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب } .
تالله لقد خلقنا السماوات والأرض ، وما بينهما من فضاء وهواء ، { في ستة أيام . . . } أي : في ست مراحل ، مرحلة بعد أخرى ، وما أصابنا من تعب أو مشقة في ذلك الخلق العظيم .
قالت اليهود : إن الله خلق الخلق في ستة أيام ، واستراح يوم السابع ، وهو يوم السبت ، يسمونه يوم الراحة ، فأنزل الله هذه الآية .
روح القرآن تفيد أن الكون قد خلقه الله من العدم ، وتفيد النصوص الدينية أن الحق سبحانه ألقى الكرة وكانت ملتهبة ، فارتفعت السماء وهدأت قشرتها الخارجية ، وانبسطت الأرض وهدأت قشرتها الخارجية ، وأرسى الله الجبال والبحار والأنهار ، والفضاء والهواء ، ثم تشققت السماء بالمطر ، والأرض بالنبات ، وجعل الله الماء أساس الحياة .
وفي حوالي سنة 1994م انعقد في الولايات المتحدة الأمريكية مؤتمر علمي للبحث في أصول الكون ، وبالتحديد في عمر الكون .
وانتهى المؤتمر إلى أن عمر الكون 13 بليون سنة ، منها 6 بلايين سنة كان الكون كرة ملتهبة غير صالحة للحياة ، وبعد ستة بلايين سنة من خلق الكون هدأت قشرته الخارجية ، وصار صالحا لحياة الإنسان عليه ، وحياة الإنسان على هذا الكون مدتها سبعة بلايين سنة .
قال تعالى : { أو لم ير الذين كفروا أن السماوات ولأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون } . ( الأنبياء : 30 ) .
وفي التفسير أن الرتق ضد الفتق ، أي كانت السماء صماء لا تمطر ، والأرض صماء لا تنبت ، ففتق الله السماء بالمطر ، والأرض بالنبات ، وقد مر الكون كله بست مراحل ، حيث كانت السماء رخوة أشبه بالدخان ، ثم مرت بمراحل ست ، وكذلك الأرض ، حتى صار الكون صالحا للحياة .
وذكر الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير :
أن المراد بقوله تعالى : { في ستة أيام . . . } ستة أطوار ، لا الأيام المعروفة في وضع اللغة ، لأن اليوم عبارة عن زمان مكث الشمس فوق الأرض ، من الطلوع إلى الغروب ، وقبل خلق السماوات لم يكن شمس ولا قمر ، لكن اليوم يطلق ويراد به الوقت والحين . اه .
ويمكن أن نقول أن اليوم يطلق في كلام العرب على سنين متعددة ، فيوم بعاث ، ويوم البسوس ، ويوم ذي قار ، هي كلها حروب امتدت عشرات السنين ، وفي القرآن الكريم : { وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون } . ( الحج : 47 ) .
ويقول سبحانه : { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } . ( المعراج : 4 ) .
أن الله تعالى هو الذي خلق هذا الكون ، بما فيه من سماء وأرض وفضاء ، في مراحل متعددة ، ليعلمنا الصبر والأخذ بالأسباب ، وهو سبحانه على كل شيء قدير ، ولا يصيبه تعب أو إعياء ، والآية تقدير للميعاد ، لأن من بدأ الخلق قادر على أن يحيي الموتى بطريق الأولى .
قال تعالى : { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس . . . } ( غافر : 57 ) .
وقال عز شأنه : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . ( الأحقاف : 33 ) .
{ 38-40 } { وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ }
وهذا إخبار منه تعالى عن قدرته العظيمة ، ومشيئته النافذة ، التي أوجد بها أعظم المخلوقات { السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أولها يوم الأحد ، وآخرها يوم الجمعة ، من غير تعب ، ولا نصب ، ولا لغوب ، ولا إعياء ، فالذي أوجدها -على كبرها وعظمتها- قادر على إحياء الموتى ، من باب أولى وأحرى .
قوله عز وجل : { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب } إعياء وتعب . نزلت في اليهود حيث قالوا : يا محمد أخبرنا بما خلق الله من الخلق في هذه الأيام الستة ؟ فقال : خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين ، والجبال يوم الثلاثاء ، والمدائن والأنهار والأقوات يوم الأربعاء ، والسماوات والملائكة يوم الخميس إلى ثلاث ساعات من يوم الجمعة ، وخلق في أول الثلاث الساعات الآجال ، وفي الثانية الآية ، وفي الثالثة آدم ، قالوا : صدقت إن أتممت ، قال : وما ذاك ؟ قالوا : ثم استراح يوم السبت ، واستلقى على العرش ، فأنزل الله تعالى هذه الآية رداً عليهم . "
ولما دل على تمام علمه وشمول قدرته بخلق الإنسان إثر ما ذكره من جميع الأكوان ، ثم بإعدامه لأصناف{[61251]} الإنسان في كل زمان ، ذكر بخلق ما أكبر منه في المقدار والإنسان بعضه على وجه آخر ، فقال عاطفاً على { ولقد خلقنا الانسان } وأكد تنبيهاً لمنكري البعث وتبكيتاً ، وافتتحه بحرف التوقع لأن من ذكر بخلق شيء توقع الإخبار{[61252]} عما هو أكبر منه : { ولقد خلقنا } أي بما لنا من العظمة التي لا يقدر قدرها{[61253]} ولا يطاق حصرها { السماوات والأرض } على ما هما عليه من الكبر وكثرة المنافع { وما بينهما } من الأمور التي لا ينتظم الأمر على قاعدة الأسباب والمسببات بدونها { في ستة أيام } الأرض في يومين ، ومنافعها في يومين ، والسماوات في يومين ، ولو شاء لكان ذلك في أقل من لمح البصر ، ولكنه سن لنا{[61254]} التأني بذلك { وما مسنا } لأجل ما لنا من العظمة { من لغوب * } أي إعياء فإنه لو كان لاقتضى ضعفاً فاقتضى فساداً ، فكان من ذلك شيء على غير ما أردناه ، فكان تصرفنا فيه غير تصرفنا في الباقي ، وأنتم تشاهدون الأمر في الكل على حد سواء من نفوذ الأمر وتمام التصرف ، من اللغب{[61255]} وهو الإعياء ، والريش اللغاب وهو الفاسد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.