إلا فاجرا كفارا : من سيفجر ويكفر ، فوصفهم بما يصيرون إليه لوثوقه بذلك ، نتيجة لتجربته الطويلة .
26- إنك إن تذرهم يضلّوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا .
إنك يا ربّنا إذا تركت هؤلاء الكافرين الطغاة فسيحملون الناس على الشرك بدعوتهم لعبادة الأصنام .
وهم في نفس الوقت يحذّرون ذريتهم من اتباع نوح ، فكان الرجل يأتي بابنه إلى نوح ، ويقوله له : احذر من هذا الرجل فلا تتبعه ، فقد حذّرني أبي من اتباعه ، وأنا أحذرك من اتباعه .
وتبين لنوح أن الضال أصيل فيهم ، فهم أباطرة في الضلال والإضلال ، لذلك قال نوح :
إنك إن تذرهم يضلّوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا .
إنك إن تتركهم أحياء يتسببوا في إضلال المؤمنين من عبادك بحيلهم وكيدهم ، وأبناؤهم سيتبعونهم ويكونوا مثلهم في الفجور والكفران .
وذكر السبب في ذلك فقال : { إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا } أي : بقاؤهم مفسدة محضة ، لهم ولغيرهم ، وإنما قال نوح -عليه السلام- ذلك ، لأنه مع كثرة مخالطته إياهم ، ومزاولته لأخلاقهم ، علم بذلك نتيجة أعمالهم ، لا جرم أن الله استجاب دعوته{[1242]} ، فأغرقهم أجمعين ونجى نوحا ومن معه من المؤمنين .
{ إنك إن تذرهم يضلوا عبادك } قال ابن عباس ، والكلبي ، ومقاتل : كان الرجل ينطلق بابنه إلى نوح فيقول : احذر هذا فإنه كذاب ، وإن أبي حذرنيه ، فيموت الكبير وينشأ الصغير عليه ، { ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً } قال محمد بن كعب ، ومقاتل ، والربيع ، وغيرهم : إنما قال نوح هذا حين أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم وأعقم أرحام نسائهم وأيبس أصلاب رجالهم قبل العذاب بأربعين سنة . وقيل سبعين سنة وأخبر الله نوحاً أنهم لا يؤمنون ولا يلدون مؤمناً فحينئذ دعا عليهم نوح فأجاب الله دعاءه ، وأهلكهم كلهم ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب لأن الله تعالى قال : { وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم }( الفرقان- 37 ) ، ولم يوجد التكذيب من الأطفال .
ولما كان الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يقولون ولا يفعلون إلا ما فيه مصلحة الدين ، علل دعاءه بقوله وأكده إظهاراً لجزمه باعتقاد ما أنزل عليه من مضمون قوله تعالى :
{ إنه لن يؤمن من{[68872]} قومك إلا من قد آمن }[ هود : 36 ] وإن كان ذلك خارجاً عن العادة : { إنك } أي يا رب { إن تذرهم } أي تتركهم على أي حالة كانت في إبقائهم سالمين على وجه الأرض{[68873]} على ما هم عليه من الكفر والضلال والإضلال{[68874]} ولو{[68875]} كانت{[68876]} حالة دنية { يضلوا عبادك } أي الذين آمنوا بي والذين يولدون على الفطرة السليمة .
ولما كان ربما كان الإنسان ضاراً ووجد{[68877]} له ولد نافع ؛ نفى ذلك بقوله : { ولا يلدوا } أي إن قدرت بقاءهم {[68878]}في الدنيا{[68879]} { إلا فاجراً } أي مارقاً من كل ما ينبغي الاعتصام به ، واكتفى فيه بأصل الفاعل إشارة إلى أن من جاوز الحد أو شرع في شيء بعده من التمادي في الغي صار ذلك له ديدناً فبالغ ، {[68880]}فلذلك قال{[68881]} : { كفاراً * } أي بليغ الستر لما يجب إظهاره من آيات الله لأن قولك يا رب لا يتخلف أصلاً ، والظاهر أن هذا الكلام لا يقوله إلا عن وحي كما في سورة هود عليه السلام من قوله تعالى :
{ إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن }[ هود : 36 ] فيكون {[68882]}على هذا حتى{[68883]} {[68884]}صغارهم معذبين{[68885]} بما يعلم الله منهم لو بلغوا لا بما عملوه كما{[68886]} قال صلى الله عليه وسلم في أولاد الكفار " الله أعلم بما كانوا عاملين " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.