أن تولوهم : أن تكونوا أولياء وأنصار لهم .
9- { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } .
إما ينهى الله تعالى عن موالاة المقاتلين ، أو التقرب إليهم ، أو كشف الأسرار لهم ، مثل أهل مكة الذين قاتلوا المسلمين ، وأخرجوهم من ديارهم ، وعاونوا وساعدوا في إخراجهم ، هؤلاء وأشباههم من المقاتلين ، أمثال اليهود في إسرائيل الذين يُقتّلون إخواننا الفلسطينيين ، ويخرجونهم من ديارهم ، ويتعاونون على إخراجهم ، هؤلاء وأمثالهم من الفئات والدول المعتدية على المسلمين ، لا تجوز مودّتهم ولا نقل أخبار المسلمين إليهم .
وقد ذكر زيد وقتادة أن موادعة المسالمين وترك قتالهم ، كان في صدر الإسلام ، ثم نُسخ ذلك بقوله تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } . . . ( التوبة : 5 ) . ( انظر تفسير القرطبي ) .
والذي عليه جمهور العلماء أنه لا نسخ ، لأن الآيات تقرر حكما يتفق مع شريعة الإسلام في كل زمان ومكان ، وهو أننا لا نؤذي من آذانا ، ولا نقاتل إلاّ من أظهر العداوة لنا بأية صورة من الصّور ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يستقبل الوفود التي تأتيه لمناقشته في بعض الأمور ، مقابلة كريمة ، ويتجلّى ذلك فيما فعله مع وفد نجران ووفد تميم وغيرهما .
والإمام ابن جرير الطبري عند تفسير هذه الآيات ذكر آراء من قال إن فيها نسخا ، وآراء من قال إنها محكمة لا نسخ فيها ، ثم عقب على ذلك بقوله تعالى : وأوْلى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بقوله تعالى :
{ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ . . . }
جميع أصناف الملل والأديان ، أن تبرّوهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم . . . ويشمل كل من كانت صفته كذلك ، دون تخصيص لبعض دون بعض .
ولا معنى لقول من قال : ذلك منسوخ ، لأن برّ المؤمن من أهل الحرب ، ممن بينه وبينهم قرابة نسب ، أو ممن لا قرابة بينه ولا نسب ، غير محرّم ، ولا منهي عنه ، إذا لم يكن في ذلك دلالة له ، أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام ، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح . xii
وفي آخر الآية نجد هذا التعقيب :
{ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } .
أي : لا تتخذوا من عاداكم وقاتلكم وأخرجكم من دياركم ، أحبابا وأصفياء وأنصارا
{ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } .
ومن يتخذ هؤلاء المعتدين أولياء وأحبابا ، فإنه يكون ظالما لدينه ولأمته ولنفسه ، حيث والى أعداء دينه وأعداء أمته .
أن تولوهم : أن تكونوا لهم أصدقاء وأحياء وأنصارا .
أما الذين حاربوكم في دينكم ليصدّوكم عنه ، وأجبروكم على الخروج من ديارِكم ، وعاونوا على إخراجكم ، فهؤلاء ينهاكم الله عن أن تتخذوهم أنصارا ، بل قاتِلوهم وشدِّدوا عليهم { فأولئك هُمُ الظالمون } .
ولننظر الآن من هو عدوُّنا الذي اغتصب أرضنا ، وشرّد منها أهلنا وأقرباءنا ، ومن من الدول التي ظاهرتْهُ وعاونته على إخراج أهلِنا من أرضهم ، وأمدّته بالسلاح والمال ، فان هذه الدولة الكبرى هي عدوّنا الأول . . فاستيقظوا أيها العرب وتنبّهوا واعرفوا عدوكم ، والأمر واضحٌ لا يحتاج إلى دليل .
[ وقوله : ] { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ } أي : لأجل دينكم ، عداوة لدين الله ولمن قام به ، { وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا } أي : عاونوا غيرهم { عَلَى إِخْرَاجِكُمْ } نهاكم الله { أَنْ تَوَلَّوْهُمْ } بالمودة والنصرة ، بالقول والفعل ، وأما بركم وإحسانكم ، الذي ليس بتول للمشركين ، فلم ينهكم الله عنه ، بل ذلك داخل في عموم الأمر بالإحسان إلى الأقارب وغيرهم من الآدميين ، وغيرهم .
{ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } وذلك الظلم يكون بحسب التولي ، فإن كان توليا تاما ، صار{[1057]} ذلك كفرا مخرجا عن دائرة الإسلام ، وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ ، وما هو دون ذلك .
قوله تعالى : { إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين } أي جاهدوكم على الدين ، { وأخرجوكم من دياركم } وهم عتاة أهل مكة . { وظاهروا على إخراجكم } أي عاونوا على إخراجكم وهم مشركو أهل مكة ، { أن تولوهم } " أن " في موضع جر على البدل على ما تقدم في { أن تبروهم } ، { ومن يتولهم } أي يتخذهم أولياء وأنصارا وأحبابا ، { فأولئك هم الظالمون } .
ولما علم الحال من هذا وما في أول السورة ، أتبعه التصريح بما أفاده مجموعاً أحسن جمع مصوراً أحسن تصوير فقال تعالى : { إنما ينهاكم الله } أي{[64585]} الذي له الإحاطة الكاملة علماً وقدرة { عن الذين قاتلوكم } متعمدين لقتالكم كائنين{[64586]} { في الدين } ليس شيء من ذلك{[64587]} خارجاً عنه ، لتكون العداوة {[64588]}في الله{[64589]} { وأخرجوكم من دياركم } أي بأنفسهم لبغضكم { وظاهروا } أي عاونوا غيرهم { على إخراجكم } ولما تناول هذا المقصودين صريحاً ، وكان النهي الذي موضعه الأفعال قد علق بأعيانهم تأكيداً له ، عرف بالمقصود بقوله : { أن } أي إنما ينهاكم عن{[64590]} المذكورين في أن { تولوهم } أي تكلفوا فطركم الأولى أن تفعلوا معهم جميع ما يفعله القريب الحميم الشفيق فتصرحوا بأنهم أولياؤكم وتناصروهم ولو كان ذلك على أدنى الوجوه - بما أشار إليه إسقاط التاء .
ولما كان التقدير : فمن أطاع فأولئك هم المفلحون ، عطف عليه قوله : { ومن يتولّهم } أي يكلف نفسه الحمل على{[64591]} غير ما تدعو إليه الفطرة الأولى من المنابذة ، وأطلق ولم يقيد ب " منكم " ليعم المهاجرين وغيرهم والمؤمنين وغيرهم : { فأولئك } أي الذين أبعدوا عن العدل { هم } أي خاصة {[64592]}لا غيرهم{[64593]} العريقون في أنهم { الظالمون * } أي العريقون في إيقاع الأشياء في غير مواضعها كمن{[64594]} يمشي في مأخذ الاشتقاق بسبب هذا التولي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.