تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (9)

الآية 9 وقال في ما نهى : { إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظهروا على إخراجكم أن تولوهم }[ الآية 9 ] .

ومعلوم أنه قد يجوز أن نبر من لا يجوز ألا نتولاه . ألا ترى إلى قوله : { وصاحبهما في الدنيا معروفا } ؟ [ لقمان : 15 ] .

ثم نهى عن تولي الكفار بقوله : { لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } ولكنه لما جاز أن يجتمع في نفس واحدة البر وترك التولي ، فكذلك جاز أن تؤمر بالبر وتنهى {[21053]}عن التولية{[21054]} معه ، والله أعلم .

ثم قوله تعالى : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين } يحتمل أن يكون المراد منه { لا ينهاكم } بل يأمركم ، ويحتمل أن يكون معناه : يرخص لكم كقوله : { فما ربحت تجارتهم } [ البقرة16 ] ومعناه بل خسرت ، وإن كان ، قد يجوز أن تكون التجارة إذا لم تربح ، لا تخسر ، فكذلك قوله تعالى : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين } بل يأمركم أن تبروهم ، ويحتمل أن يكون المراد بل يرخص لكم أن تبرّوهم ، والله اعلم .

ثم اختلفوا في من أمر ببرّهم ونهى [ عن تركهم ]{[21055]}فقال بعضهم : هم المستضعفون من أهل مكة الذين آمنوا في السر ، وخشوا [ إظهار إيمانهم ]{[21056]}من المشركين ، فأمر الله تعالى المؤمنين بالمدينة أن يبروهم بالكتاب إليهم ، ليحتالوا في قياد أنفسهم ، لأن المشركين من أهل مكة إذا علموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر لقتالهم كان يجوز أن يخشى على أولئك المؤمنين المستضعفين ، فأمر هؤلاء أن يبروهم بالكتاب إليهم ، ليتأهّبوا في أنفسهم ويحتالوا لما يخشى عليهم من المشركين والله أعلم .

وقال بعضهم : هذا في الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد وذمة ، فأمر المؤمنين أن يبروا أولئك في إبقاء عهودهم إلى مدتهم ، ونهاهم على أن يتولوا من قاتلهم ، ونقض عهدهم .

وقال بعضهم : [ هذا ]{[21057]} في النساء والولدان من المشركين ، أمر المؤمنين أن يبروهم بترك القتال وألا يتولوا من قاتلهم . من جملة الرجال من المشركين .

ثم قال : { ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون } أي ومن يتولهم من الاعتقاد ، { فأولئك هم الظالمون } في حق الاعتقاد ، أو من يتولهم في الأفعال ، { فأولئك هم الظالمون } في حق الأفعال كما وصفنا في قوله تعالى : { فقد ضل سواء السبيل } .


[21053]:في الأصل و م: ممن تنهى.
[21054]:في الأصل و م: التولي.
[21055]:في الأصل و م: توليهم
[21056]:في الأصل و م: إظهاره.
[21057]:ساقطة من الأصل و م.