تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَاۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (11)

9

11- { وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .

لقد جعل الله الدنيا دار اختبار وابتلاء وامتحان ، والآخرة دار جزاء على الأعمال ، وقضى سبحانه وتعالى ألاّ يؤخر أجل إنسان إذا حضر ، فلا يتقدم الأجل عن أوانه ولا يتأخر .

وفي السنة المطهرة : " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم أربعين يوما علقة ، ثم أربعين يوما مضغة ، ثم ينفخ فيه الروح ، ثم يكتب أجله ورزقه ، وشقي أو سعيد " vii

قال تعالى : { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ( 17 ) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } . ( النساء : 17-18 ) .

وقال تعالى : { ولو ردوا لعادوا لما نُهوا عنه . . . }( الأنعام : 28 ) .

وقال عز شأنه : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ( 99 ) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } . ( المؤمنون : 99-100 ) .

وقال سبحانه وتعالى : { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } . ( الأعراف : 24 ) .

وخلاصة المعنى :

لن يمهل الله نفس إنسان إذا حان أجلها وحضر وقت موتها ، وهو سبحانه وتعالى : خبير بما تعملون . أي : مطّلع وشاهد على أعمالكم ، وسيجازيكم عليها بالإحسان إحسانا ، وبالسوء سوءا .

ونلمح أن الآية الأولى :

{ يأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله . . . }

تنبيه على الذكر قبل الموت ، وتحذير من الغفلة والغرور بالدنيا .

أما الآية الثانية :

{ وأنفقوا مما رزقناكم . . . }

فهي تنبيه على الشكر العملي ، بالإنفاق من المال والجاه والعلم ، وسائر ما رزق الرزّاق سبحانه وتعالى .

والآية الثالثة :

تأكيد حقيقة هي : أن الدنيا عمل ولا حساب ، والآخرة حساب ولا عمل .

والله خبير بما تعملون .

أي : لو رُدّ إلى الدنيا ما زكّى ولا حجّ ، ويكون ذلك كقوله تعالى : ولو ردّوا لعادوا لما هوا عنه . . . ( الأنعام : 28 ) .

ختام السورة:

تضمنت سورة المنافقون شيئين

1- وصف المنافقين وبيان سيّئ خصالهم ، من الكذب والأيمان الفاجرة والجبن .

2- حث المؤمنين على الطاعة ، وإنفاق المال قبل انقضاء الأجل .

i انظر تفاسير الطبري والنيسابوري والكشاف والنسفي وغيرها .

ii انظر سيرة ابن هشام ، وابن إسحاق ، وصور من حياة الرسول لأمين دويدار ، مطابع دار المعارف بمصر ، سنة 1968 ، ص 405 .

iii ما بال دعوى الجاهلية :

رواه البخاري في التفسير ( 4905 ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كنا في غزاة – قال سفيان مرة : في جيش – فكسع رجل من المهاجرين رجل من الأنصار فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجر : يا للمهاجرين ، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ما بال دعوى الجاهلية " . قالوا : يا رسول الله ، كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال : " دعوها فإنها منتنة " فسمع بذلك عبد الله بن أبي فقال : فعلوها ، أما والله لئن رجعنا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقام عمر فقال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " . وكانت الأنصار أكثر من المهاجرين حين قدموا المدينة ثم إن المهاجرين كثروا بعد .

iv كان سيدا من سادات قومه ، وعندما أسلم دخل قومه في الإسلام تبعا له ، إذ قال لقومه : إن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله ؛ فآمنوا جميعا .

v وأخرجه الترمذي أيضا وقال : هذا حديث حسن صحيح ، نقلا عن التفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي ، دار الفكر المعاصر ، ، بيروت لبنان ، الجزء 28 ص 223 .

vi واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء :

رواه الترمذي في صفة القيامة ( 2516 ) وأحمد في مسنده ( 2664 ) من حديث ابن عباس قال : كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : " يا غلام ، إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف " . وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . قال العجلوني في كشف الخفاء : رواه أبو القاسم بن بشران في أماليه ، وكذا القضاعي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، ورواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس بلفظ : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت إليّ فقال : " يا غلام احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله . . . " الحديث ، وفيه : " قد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه ، أو أرادوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله عليك لم يقدروا عليه " . وفيه : " وعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا " ، وأورده الضياء وهو حسن ، وله شاهد رواه عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه بلفظ : " يا ابن عباس احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة " . وذكره مطولا بسند ضعيف ، ورواه أحمد والطبراني وغيرهما بسند أصح رجالا وأقوى ، قال في المقاصد : وقد بسطت الكلام عليه في تخريج الأربعين .

vii إن أحدكم يجمع خلقه :

رواه البخاري في بدء الخلق ( 3208 ) من حديث عبد الله قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال : " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات ويقال له : اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد ، ثم ينفخ فيه الروح ، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار ، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة " .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَاۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (11)

ولكل نفس أجل لا تعدوه ، وعمر لا يزيد ولا ينقص { وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ } فعليكم أن تستعدوا للرحيل قبل حلول الأجل ، وهيئوا الزاد ليوم المعاد . { فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى } [ البقرة : 197 ] .

ثم حذّرنا جميعا وأنذرنا بأنه رقيب على الجميع في كل ما يأتون ويذرون فقال : { والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } . وهكذا يربينا الله تعالى بهذا القرآن الكريم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَاۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (11)

وهذا السؤال والتمني ، قد فات وقته ، ولا يمكن تداركه ، ولهذا قال : { وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا } المحتوم لها { وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } من خير وشر ، فيجازيكم على ما علمه منكم ، من النيات والأعمال .

تم تفسير سورة المنافقين ،

ولله الحمد

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَاۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (11)

{ ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون }

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَاۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (11)

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَاۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (11)

وزاد في الحث على المبادرة بالطاعات{[65625]} قبل الفوات بقوله مؤكداً لأجل عظيم الرجاء من هذا المحتضر للتأخير عطفاً على ما{[65626]} تقديره : فلا يؤخره الله فيفوته ما أراد : { ولن } ويجوز أن تكون الجملة حالاً أي قال ذلك والحال أنه لن { يؤخر الله } أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له فلا اعتراض عليه { نفساً } أي أيّ نفس كانت ، وحقق الأجل بقوله : { إذا جاء أجلها } أي وقت موتها الذي حده الله لها فلا يؤخر الله نفس{[65627]} هذا القائل لأنها من جملة النفوس التي شملها النفي . ولما كان المعنى على طريق النتائج التي لا شك في إرشاد اللفظ إليها{[65628]} : الله عالم{[65629]} فإنه يقول ذلك ، عطف عليه قوله حاثاً على المسارعة إلى الخروج عن عهدة الطاعات والاستعداد لما لا بد منه من اللقاء محذراً من الإخلال ولأنه لا تهديد كالعلم : { والله } أي الذي له الإحاطة الشاملة علماً وقدرة { خبير } أي بالغ الخبرة والعلم ظاهراً وباطناً { بما تعملون * } أي توقعون عمله في الماضي والحال والمآل كله ظاهره وباطنه من هذا الذي أخبرتكم أن المحتضر العاصي يقوله ومن غيره منه ومن غيره{[65630]} أيها الناس - هذا على قراءة الجمهور بالخطاب{[65631]} ، وعلى قراءة أبي بكر عن عاصم بالغيب يمكن أن يراد{[65632]} المنافقون ، ويمكن أن يعم فيكون الضمير للنفس على المعنى ويمكن أن يكون{[65633]} الضمير للناس على الالتفات للإعراض تخويفاً لهم ، ولذلك علم سبحانه كذب المنافقين في أنهم يعتقدون ما شهدوا به في أمر الرسالة وعلم جميع ما قص{[65634]} من أخبارهم

{ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير }[ الملك : 14 ] {[65635]}والله أعلم{[65636]} .


[65625]:- من ظ وم، وفي الأصل: في الطاعات.
[65626]:- زيد من ظ وم.
[65627]:- من م، وفي الأصل وظ: نفسا على.
[65628]:- من م، وفي الأصل وظ: لها.
[65629]:- من م، وفي الأصل وظ: اعلم.
[65630]:- زيد من م.
[65631]:- راجع نثر المرجان 7/ 363.
[65632]:- من ظ وم، وفي الأصل: يكون المراد.
[65633]:- زيد من ظ وم.
[65634]:- من ظ وم، وفي الأصل: يقص.
[65635]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[65636]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.