محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَاۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (11)

{ وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها } أي لن يؤخر في أجل أحد إذا حضر ولكن يحترمه .

قال القاشاني معنى قوله { ولا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله } إن صدقتم في الإيمان فإن قضية الإيمان غلبة حب الله على محبة كل شيء فلا تكن محبتهم ومحبة الدنيا من شدة التعلق بهم وبالأموال غالبة في قلوبكم على محبة فتحجبوا بهم عنه فتصيروا إلى النار فتخسروا نور الاستعداد الفطري بإضاعته فيما يفنى سريعا وتجردوا عن الأموال بإنفاقها وقت الصحة والاحتياج إليها يكون فضيلة في أنفسكم وهيأة نورية لها ، فإن الإنفاق بما ينفع إذا كان عن ملكة السخاء وهيأة التجرد في النفس فأما عند حضور الموت ، فالمال للوارث لا له فلا ينفعه إنفاقه وليس له إلا التحسر والتندم وتمني التأخير في الأجل بالجهل فإنه لو كان صادقا في دعوى الإيمان وموقنا بالآخرة لتيقن أن الموت ضروري وأنه مقدر في وقت معين قدره الله فيه بحكمته فلا يمكن تأخره .

{ والله خبير بما تعملون } أي بأعمالكم فلا ينفع الإنفاق في ذلك الوقت ولا تمني التأخير في الأجل ووعد التصدق والصلاح ، لعلمه بأنه ليس عن ملكة السخاء ولا عن التجرد والزكاء بل من غاية البخل وحب المال كأنه يحسب أنه يذهب به معه وبأن ذلك التمني والوعد محض الكذب ومحبة العاجلة لوجود الهيأة المنافية للتصدق والصلاح في النفس والميل إلى الدنيا كما قال الله تعالى {[7119]} { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون } والله أعلم .

تنبيه : قال الإمام إلكيا الهراسي يدل قوله تعالى { وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت . . . } الآية ، على وجوب إخراج الزكاة على الفور ، ومنع تأخيرها .

وأخرج الترمذي{[7120]} عن ابن عباس قال " من كان له مال يبلغه حج بيت ربه ، أو تجب عليه فيه زكاة فلم يفعل سأل الرجعة عند الموت فقيل له : إنما يسأل الرجعة الكفار فقال سأتلو عليكم بذلك قرآنا ثم قرأ هذه الآية " .


[7119]:6/ الأنعام / 28.
[7120]:أخرجه في 44- كتاب التفسير، سورة المنافقين 5- حدثنا عبد بن حميد.